فاجأ الوزير جبران باسيل بالأمس جميع من استمع إليه، عقب الإجتماع الأسبوعي لتكتل "التغيير والإصلاح"، لم يترك نقطة فاصلة إلاّ وكان له فيها رأي واضح. من العلاقة مع "حزب الله"، إلى الإتفاق مع "القوات اللبنانية" وصولًا إلى التفاهم مع تيار "المستقبل". وقد بدا منفتحًا على الجميع حتى أنه طالب بأن يتمّثل الجميع في حكومة الـ 24 وزيرًا، التي تتسع لـ"المردة" و"الكتائب" وسنّة 8 آذار والمير طلال أرسلان، مع تكراره بأنها حكومة إنتخابات التي يبدأ معها العهد الجديد.


وقد يكون هذا التوصيف للحكومة المقبلة غير واقعي، خصوصًا أنها لا تزال تراوح مكانها، مع ما تحمله عناوينها من هبّات ساخنة وأخرى باردة، وفق ما ترسو عليه بورصة توزيع الحقائب، مع استمرار عقدة حصّة "المردة" وتمسّك "القوات اللبنانية" بحقيبة الأشغال العامة، التي يبدو أن الرئيس نبيه بري غير مستعد للتنازل عنها، وبالأخص لمصلحة "القوات"، فضلًا عن الوزير الشيعي من حصة رئيس الجمهورية، وبالتالي فإن هذا التوصيف لحكومة لم تبصر النور بعد يخرج عن سياق المنطق العام لطبيعة الأشياء، إلاّ إذا كان المقصود به تبرير ما يواجهه العهد من عراقيل في أول الطريق، وهي عراقيل تتخطى الشكليات لتطاول الجوهر، خصوصًا أن لا مؤشرات جدّية على إمكانية التوافق في القريب المنظور على قانون جديد للإنتخابات، ويبقى القديم على قدمه، أي أن قانون "الستين" لا يزال من بين الخيارات الممكنة، وهذا يوحي بأن لا تغيير حقيقيًا في موازين القوى النيابية، إلاّ بقدر ما تؤمنه محادل التحالفات الجديدة، وما يمكن أن تحدثه من فارق.

وفي حديثه عن العلاقة التاريخية بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" قصد باسيل إرسال أكثر من رسالة، وبالأخصّ إلى الرئيس بري، الذي لا يزال عند رأيه بالنسبة إلى العناوين السياسية العريضة، والتي تؤخّر في الواقع تشكيل الحكومة، مع إصراره على تمثيل الجميع فيها، وبالأخصّ تيار "المردة" من خلال إسناد حقيبة وازنة له.

أمّا رسالة باسيل الثانية، والتي توازي الأولى من حيث أهميتها، فهي أن العلاقة المستجدة مع "القوات اللبنانية" ليس المقصود بها الآخرين، أيًّا كانوا، وهي بالتالي ليست موجهة ضد أحد، وبالأخصّ الثنائية الشيعية، وذلك إنطلاقًا من ثابتة تقول أن الساحة المسيحية القوية هي دعامة للساحات الأخرى. وما قوله "أننا اتفقنا مع "القوات" على عودة المسيحيين الى الدولة وليس على عودة الدولة الى المسيحيين"، سوى محاولة لتبريد الجبهة الداخلية، ولتأمين الجو الملائم لإنطلاقة العهد بزخم وبمسيرة تتسع للجميع.

إلاّ أن هذا الكلام في ظاهره الإيجابي، كما تراه أوساط سياسية تتوجس من التحالفات الثنائية وما يمكن أن تخفيه من مفاجآت مستقبلية، يحتاج إلى إقران النظريات بالواقع، من خلال ممارسات تثبت أن العهد الجديد هو لجميع اللبنانيين وليس لفئة على حساب أخرى، وهذا الأمر لا يمكن ترجمته حاضرًا سوى بإسناد حقيبة أساسية لتيار "المردة" مثلًا، وإقتناع "القوات" بالتخلي عما تعتبره فائض قوة بتحالفها مع "التيار" من جهة وعودة علاقاتها طبيعية مع تيار "المستقبل".

وبعدما عرّج على علاقة العهد بـ"المستقبل" والحزب التقدمي الإشتراكي، وما يربطه بهما لجهة تحصين إتفاق الطائف، خلص باسيل إلى العلاقة مع حركة "امل"، وهي بيت القصيد، "منطلقين من الواقع الطائفي الذي نحن فيه للتأسيس لدولة المواطنة".

وما قاله باسيل بالأمس لا يمكن فصله عن مضمون "الدعوة الأبوية" التي وجهها الرئيس العماد ميشال عون الأسبوع المنصرم، وهما يصّبان في خانة واحدة، لا تزال تحتاج إلى تطبيقات على أرض الواقع، وقد يكون الإفراج عن الحكومة، من خلال ما يمكن تقديمه من تسهيلات، أول الغيث في مسيرة إستعادة اللبنانيين بعضًا من ثقة مفقودة ببعضهم البعض الآخر.


اندريه قصاص :لبنان24