ليست دول الشرق الأوسط وشعوبها وحدها هي التي تتساءل بقلق عن سياسات ومواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد تسلمه سلطاته الدستورية.
 

 بل يشاركها التساؤل باحثون كبار في واشنطن ومسؤولون سابقون عايشوا أزماتها وحروبها وشاركوا في محاولة معالجتها. فأحد هؤلاء يعتقد أن الإسرائيليين لم يُفاجأوا بفوز ترامب لعدم ثقتهم في استطلاعات الرأي. ويقول إن ما يهمّهم فيه هو توافر ثلاثة أمور عنده: الأول التعلّق بإسرائيل بل متابعة احتضان أميركا لها. والثاني فهم جيد لكل "عناصر الشر والأذى" في المنطقة. والثالث استمرار الاعتماد المضمون على أميركا كحليف عسكري لإسرائيل. لكنه يلفت الى أن الأمر الأخير لم يوضع على محك التجربة بعد، ولذلك فإنه غير أكيد حتى الآن رغم أن مواقف ترامب خلال حملته الانتخابية تضمنت الأمرين الأولين. ويشير الى أن الرئيس الجديد قد يستثمر خلافيْن رئيسيَّين بين اسرائيل وأوباما هما الاتفاق النووي مع ايران والصراع مع الفلسطينيين. علماً أن الخلاف الأخير قد لا يكون كبير الأهمية جرّاء الضعف العام للفلسطينيين ولا سيما لرئيس "سلطتهم" محمود عباس. لكن الاختلاف على النووي يمكن أن يركّز عليه ترامب في مطلع رئاسته استناداً الى سلبيته تجاه إيران النووية "المتصالحة" مع العالم. وعلماً أيضاً أنه ليس هناك تحديد حتى الآن لقضايا الأمن القومي في رأيه.
ويعتقد باحث أميركي آخر جدي أن "عدم ثقة ترامب بواشنطن" مكّنته من "الإمساك" بشريحة كبيرة من الأميركيين المدفوع بعضهم بالولاء الحزبي الأعمى وبالشعبوية الغاضبة، وبعضهم الآخر بالأذى الذي لحق به جرّاء تفاوت المداخيل والمشروع الصحي لأوباما وفرص العمل المحدودة. ويعتقد أيضاً أن ترامب تعاطى بذكاء مع الموجة المعادية للمؤسّسة (استابليشمنت)، وتعاطى مؤيدو الجمهوريين بذكاء مماثل في انتخابات الكونغرس التي رافقت الرئاسية، ففازوا بغالبية في مجلسيه. ومن شأن ذلك مع تعيينات المحكمة العليا التأثير على السياسة الاجتماعية لعقدين أو ثلاثة. ما هي سيناريوات ترامب؟ يأمل مؤيدوه، استناداً إلى الباحث نفسه في أن ينفذ بسرعة خططه للبنى التحتية خالقاً بذلك فرص عمل كثيرة لأصحاب الدخل المتدني، وأن يبدل "أوباماكير" بـ"أوباماكير" آخر مع احتمال توسيع العناية الصحية على المستوى الوطني العام. علماً أن مواقفه الملتبسة من "الحرب على الإسلام" تقود الى زيادة "التعذيب" وفرض قيود على مسلمي أميركا وقصف مدفعي من دون تمييز في الشرق الأوسط. ومن شأن ذلك دفع مشكلة الإرهاب الدولي الى التفاقم.
أما الباحث الثالث وهو مسؤول سابق، فهو دنيس روس الذي يقول إن المجتمع الدولي يعرف ماذا يتوقّع من ترامب، وإن عليه أن يطمئن حلفاء بلاده قبل أن يتولى الرئاسة رسمياً. إذ أن التطمينات والالتزامات ضرورية جداً في أوقات الشدّة كما هي الحال في هذه المرحلة. فحلف شمال الأطلسي مهم. وكذلك الدول السنّية العربية ولا سيما في ظل هدف ترامب تدمير "دولة الخلافة الاسلامية". ولذا من الضروري إشراك السعودية والدول المشابهة لها في هذا العمل، اذ من دونها لا يمكن إفقاد أيديولوجيا التطرّف والإرهاب الاسلامي السنّي صدقيتها.
ماذا عن روسيا؟ العلاقة الدافئة مع روسيا جيّدة نظرياً إذا كانت في الاتجاهين. أما إذا أراد ترامب السنّة الى جانبه فعليه أن يتعاطى مع سوريا بحذر وحرص. وفي المرحلة الراهنة تقصف حلب وتُدمّر وقد تكون أُخضعت كلها حين يتسلّم سلطاته الدستورية. وذلك قد يؤهله للمطالبة بوقف نار وبعلاقات ديبلوماسية تمهّد لاستعادة الأسد كامل السلطة. واذا كان ذلك هدفه فعلاً عليه أن يُخبر موسكو أن أميركا ستردّ إذا تابع الأسد مسيرته العنفية الكبيرة. فضلاً عن أن على روسيا أن تفهم أن هناك نتائج لمخالفة القواعد الدولية أو العالمية.
طبعاً، يضيف روس، أفصح ترامب المرشّح مراراً عن رغبته في الخروج من الشرق الأوسط. لكن غالباً ما يغيّر المرشحون مواقفهم عندما يصبحون رؤساء. والحصيلة النهائية لأي أزمة إقليمية ستتوقف على أعضاء إدارته ومستشاريه. ونظراً الى الوضع الحالي في المنطقة حيث الفلسطينيون منقسمون أكثر من أي وقت، والايرانيون مصممون على التوسع، والسعوديون وسط "ثورة متنكِّرة باصلاح اقتصادي"، فإن الحلفاء التاريخيين لأميركا في إسرائيل والدول العربية السنّية يحتاجون الى أميركا قوية الآن أكثر من أي مرحلة سابقة.