ما هي الأسباب التي دفعت إسرائيل مجدداً، لمهاجمة أهداف قرب العاصمة السورية دمشق، ولماذا يواصل النظام السوري تمسكه بالامتناع عن الرد على الغارات الإسرائيلية المتكررة؟، علامات استفهام أثيرت بعدما استهدفت مقاتلات حربية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، الأربعاء، بغارات جوية مقرات تابعة لقوات النظام في منطقة الصبورة غربي دمشق.

وأقرّ النظام السوري أمس الأربعاء بأنّ الطيران الإسرائيلي أطلق صاروخين على ريف دمشق من داخل الأراضي اللبنانية، في ظل وجود أنباء بأن القصف استهدف قافلة عسكرية لما يُسمى حزب الله كانت تنقل أسلحة إلى داخل الأراضي اللبناني، من غير أن تؤكد إسرائيل تنفيذ تلك الضربة.

ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر عسكري قوله: "أقدم طيران العدو الإسرائيلي فجر اليوم على إطلاق صاروخين من المجال الجوي اللبناني سقطا في منطقة الصبورة بريف دمشق الغربي دون وقوع إصابات"، معتبراً أنّ الهجوم جاء "في محاولة لصرف الأنظار عن نجاحات الجيش العربي السوري ورفع معنويات العصابات الإرهابية المنهارة"، بحسب الوكالة.

صمت إسرائيلي

وفي إسرائيل، حرصت الحكومة ودوائرها العسكرية على الصمت، كما في كل عمليات قصف كهذه، حيث تركت وسائل الإعلام تتداول الأنباء الواردة من دمشق وبيروت حول الموضوع.

وحتى وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي أبرزت الأنباء بكل تفاصيلها، اعتمدت في النشر على مصادر عربية وأجنبية. لكنها أكدت بالإجماع أن الصمت الإسرائيلي لا يعني نفي هذه الأنباء، مشيرة إلى أنه في كل مرة يتم فيها قصف إسرائيلي على دمشق أو على قوافل "حزب الله"، كانت تل أبيب تمتنع عن الرد.

وترتفع شبهات حول قصف قوافل عسكرية لـ"حزب الله"، بعدما تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية في وقت سابق، وبينها صحيفة "هآرتس" في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن أن الحزب "قد يُحاول في هذه الظروف إدخال سلاح متقدم إلى لبنان، بعضه من صنعٍ روسيٍّ، الأمر الذي أعلنت إسرائيل في السابق عن اعتباره خط أحمر".

ضربات متكررة

وتتكرر الضربات الإسرائيلية على ريف دمشق، من خارج المجال الجوي السوري. فقد رجح خبراء ومحللون في وقت سابق أن الضربة التي استهدفت سمير القنطار مطلع العام الحالي في ريف دمشق، نفذتها طائرات إسرائيلية من منطقة هضبة الجولان، بينما تحدث خبراء عن الضربات السابقة في عام 2014 التي استهدفت مناطق ريف دمشق، وبينها منطقة الصبورة، نفذت من فوق الأراضي اللبنانية، قبل أن تنحدر الطائرات غربا بموازاة قمم الجبال اللبنانية وتتجه نحو البحر، فيما يشتبه أنه محاولة للنفاذ من منصات سلاح الدفاع الجوي السوري، في حال وجدت.

كما استهدفت طائرة عسكرية مواقع لقوات النظام في أيلول بعد إطلاق النار على المنطقة المحتلة بشكل غير متعمد. ووجهت إسرائيل منذ 2013 سلسلة ضربات طاولت أهدافا سورية أو أخرى لـ"حزب الله". وكانت إسرائيل أعلنت في وقت سابق هذا العام، أنها قصفت قوافل سلاح في سوريا كانت مرسلة إلى "حزب الله".

غارة وتنسيق

في مقاربته قال الكاتب الصحفي السوري محمد العبد الله إن الغريب في هذه الغارة أنها تأتي والنظام يفاخر بأن روسيا حليفته، بينما هذه الأخيرة تنسق العمليات مع إسرائيل. أمّا أن تغير إسرائيل على سوريا -يضيف- فهي ليست المرة الأولى، إذ في 2014 سجلت سبع غارات، ووصل الأمر إلى أن تضرب إسرائيل موقعا على بعد 700 كيلومتر عنها، وكالعادة لم يكتشف ذلك الرادار السوري ولم يواجهه بأي مضادات جوية.

الناشط السياسي والإعلامي السوري عمار وقاف قال إنه في هذه الحادثة لم يثبت اختراق الطائرات الإسرائيلية الأجواء السورية، بل ما نقل هو إطلاق صواريخ بوباي من فوق الحدود اللبنانية.

ووفقاً له فإنّ إسرائيل إذا ضربت فإنما تضرب ما تراه "مكمن الخطر"، لافتاً إلى أنّ الثورة السورية في بدايتها هاجمت مناطق الدفاع الجوي السوري، وأن إسرائيل لا يمكن أن تكون بعيدة عن هذا الأمر.

تفتيت سوريا

وخلص وقاف إلى أن إسرائيل تريد تفتيت سوريا لتتشكل دول دينية على شاكلتها، وهذا ما لن تنجح به في سوريا. ويعلق العبد الله أن النظام قرر الإعلان عن الغارة رسميا لأنه يريد استغلال ذلك بالقول إنه مستهدف من إسرائيل كدولة ممانعة وغير ذلك من شعارات فقدت مصداقيتها.

سماء سوريا ساحة لتحليق طائرات غريبة

تأتي هذه الضربة الجديدة لتضاف إلى 8 ضربات مجهولة أخيرة في شمال سوريا لمواقع قوات إيرانية وشيعية، لم يكشف النقاب عن فاعلها، بالرغم من وجود منظومة "إس 400" الجوية الروسية المتقدمة، حيث أصبحت الأجواء السورية في عهد نظام بشار ساحة مفتوحة امام الطيران الروسي والإسرائيلي والتركي والتحالف الدولي بقيادة واشنطن، بحسب مراقبون.

ورغم القراءات التي تعزو القصف الروسي لمناطق نفوذ النظام والإيرانيين، رداً على مضي قوات الأسد والحرس الثوري والميليشيات الأخرى في معركة حلب التي تنكفئ عنها موسكو، أوضح الخبير العسكري والاستراتيجي العميد إلياس حنّا أن "الروسي منكفئ في حلب، ربما بتنسيق مع الأميركي"، مذكراً بالاجتماع الذي عقده نجل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، مع وفد المعارضة السورية القريبة من النظام في سويسرا.

وقال: "صحيح أن روسيا تفضل تأخير معركة حلب إلى حين تسلم الإدارة الأميركية الجديدة، لأن موسكو رابحة في كل الأحوال وتعتبر سوريا ورقتها الأقوى للتفاوض مع الأميركيين، بينما إيران والنظام يستعجلان الحسم في حلب لتحسين شروطهما على طاولة المفاوضات". وشدد حنّا على أن الإيراني «يسعى لتعزيز وضعه في المنطقة بالاستناد إلى فائض القوة لديه، بينما هدف موسكو وواشنطن في المرحلة المقبلة، إعادة إيران إلى حجم معين، لإحداث توازن في المنطقة برعاية روسية أميركية".

(الخليج العربي)