أشارت صحيفة "الراي" الكويتية الى أنه بدا لافتاً في مشهد الجمود الذي يتحكم بعملية تأليف الحكومة منذ أكثر من أسبوع أن الرئيس المكلف سعد الحريري يتجنّب كل ما من شأنه أن يزجّ به في "العِراك المحتدم" الذي يدور بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والثنائي الشيعي اي حركة "امل" (الرئيس نبيه بري) و"حزب الله" على خلفياتٍ، بعضها العلني متّصلٌ بالتباين حيال التشكيلة الحكومية، وبعضها الآخر المستتر يرتبط بالاتجاهات الاولية لسياسة عهد العماد عون الخارجية، وتحديداً الانفتاح الحاصل بينه وبين المملكة العربية السعودية.


وذهبت مصادر واسعة الاطلاع الى حد القول لـ "الراي" الكويتية إنها تشكّ في قدرة عون على ترْك الأمور تتجه نحو مزيد من الانسداد، وهو العارف تماماً أن حليفه الأساسي "حزب الله"، يتقن لعبة استهلاك الوقت ولو أنه يضع حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري في واجهة المفاوضات المباشرة حول الحكومة.

وبعدما مرّ الشهر الأول من عهد عون امس في حمأة معطياتٍ سلبية تزداد احتقاناً وتنذر بإطالة أمد المأزق الحكومي بما لا قدرة للعهد على احتماله، فان المصادر تحدثت عن جولة بارزة من الاتصالات والمشاورات ستنطلق عقب عودة وزير الخارجية جبران باسيل الى بيروت امس من جولة في أميركا اللاتينية والذي سينخرط في لقاءات ومشاورات مع مدير مكتب الرئيس الحريري السيد نادر الحريري والمسؤول الأمني والسياسي الأساسي في "حزب الله" وفيق صفا والمساعد السياسي للرئيس نبيه بري وزير المال حسن خليل سعياً الى مخرج حاسم للمأزق الحكومي.

وأضافت المصادر أن الأيام القليلة المقبلة لا بد من أن تشكل اختباراً حاسماً لحصيلة الاشتباك السياسي الذي تسبّبت به تعقيدات تأليف الحكومة بما يُخرِج هذه العملية من احتمال تهديد العهد الجديد بنكسة حقيقية من أول الطريق بإعتبار أن ثمة معطيات تكتسب طابعاً خطراً بدأت تتفشى على جوانب المأزق وتتّصل بالتحالفات الاستراتيجية الكبرى التي تحكم واقع عهد الرئيس عون بعدما فاض الإعلام اللبناني منذ أكثر من أسبوع بالحديث عن أزمة غير مسبوقة بين سيد العهد وحليفه الأوثق "حزب الله"، الأمر الذي بدأ يشكل خطورة استثنائية على مسار العهد.

وتقول هذه المصادر إن أبلغ علامات التراجع الحاصل في علاقات العهد مع الثنائي الشيعي تتمثل في أن أي صوت معني لدى الفريقين لم يتطوّع لدحْض ما يثار عن تَراجُع هذه العلاقة منذ الزيارة التي قام بها لبيروت قبل اسبوعين الموفد الملكي السعودي الامير خالد الفيصل، والتي انتهت بإعلانه موافقة الرئيس عون على أن تكون الرياض اول محطة عربية له.

واذ لاحظت المصادر عيْنها أن صمت "حزب الله" عن اشتداد المأزق في شأن تشكيل الحكومة يترافق مع تصلبٍ واضح لكبير المفاوضين بإسمه أي الرئيس بري حيال شروطه المتعلّقة بإعطاء حقيبة وازنة لزعيم "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية، فإنها اعتبرت ان دفْع بري لنائب كتلته أيوب حميد اول من امس للإعلان بصراحة ان مشكلة تأليف الحكومة تكمن في التحالف بين "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" بلغ ذروة المكاشفة والمواجهة بين الثنائي الشيعي والثنائي المسيحي.

واذا كان هذا الطابع يفسّر محاذرة الرئيس الحريري الدخول طرفاً في هذا الاشتباك الذي بدأ يكتسب طابعاً طائفياً، فان المصادر نفسها تبدي مخاوف واضحة من ان يتسبب تصاعُد الاشتباك بانتكاسة كبيرة للعهد ما لم يبادر الرئيس عون بنفسه الى احتواء المأزق ومعالجته بما لا يرتدّ على صورته سلباً.

ولا تخفي المصادر أن هذا التحدّي المبكّر للرئيس عون سيضعه أمام خيارات صعبة اذ لا يمكنه ان يتراجع عن تحالفه الوثيق مع "القوات اللبنانية" من خلال إعادة تقليص حصتها في الحكومة لان ذلك سيؤثر سلباً على الرافعة المسيحية القوية التي حملته الى الرئاسة الاولى. كما انه يستحيل عليه تَجاهُل عوامل الاعتراض العميقة التي يبديها حليفه الشيعي "حزب الله" خصوصاً في الجانب المتصل بمآخذ الحزب او مخاوفه من انحراف العهد نحو سياسات خارجية مناهضة لمحور "الممانعة".

أما جديد العوامل التي برزت في الساعات الأخيرة والتي من شأنها أن تضغط اكثر نحو استعجال الخروج من المأزق الحكومي فتمثل في الموقف الصادم لوزير الداخلية نهاد المشنوق بإعلانه الصريح ان الوزارة جاهزة لإجراء الانتخابات النيابية المقبلة وفق القانون الانتخابي الساري المفعول حالياً اي ما يسمى قانون الـ 60، في حين انه استبعد تماماً إمكان توصل القوى السياسية الى تفاهم على قانون جديد. واذ أثار موقف المشنوق ضجة واسعة فان المصادر المعنية أدرجته في إطار الدفع لانجاز التشكيلة الحكومية قبل فوات المهل، باعتبار أن التأخير في ولادة الحكومة سيجعل مستحيلاً التوافق على قانون جديد للانتخابات ويلزم العهد والحكومة الجديدة بإجرائها وفق القانون الحالي بما يشكل واقعياً الصدمة السلبية الأقوى لصورة العهد.

(الراي الكويتية)