بعد ان تم الاعتراض على معادلة "الجيش والشعب والمقاومة"، بدا منذ ايام قليلة ان معادلة جديدة تلوح في الافق وهي: "الجيش والمقاومة والـM113". هذه الملالة الاميركية شغلت الدنيا والناس وباتت على كل شفة ولسان منذ ظهورها في العرض العسكري الذي اقامه حزب الله في القصير، حتى باتت ضمن العناوين البارزة في وسائل الاعلام الاميركية والاسرائيلية.

المسألة تتعلق بأن هذه الملالة وصلت الى لبنان عبر المساعدات الاميركية للجيش اللبناني وان استعمالها اميركياً هو في كل حرب وتواجد عسكري اميركي في العالم، وعلى الرغم من قِدمها الا انها لا تزال مستعملة وتقوم بأكثر من دور، حتى انها تصلح كقاعدة لاطلاق بعض الصواريخ النووية المحددة النطاق، بعد اجراء بعض التعديلات.

ووجهت اصابع الاتهام الى الجيش لتزويده الحزب بهذا النوع من الملالات، وانه حوّل مساعدات اميركية مخصصة له الى حزب اله . هذا الاتهام نفته قيادة الجيش بشكل مباشر، ولكنه ايضاً يفتقر الى المنطق وهو بشكل واضح يهدف الى عكس ما يقال عنه، اي ان الغاية منه محاولة جديدة في سبيل وضع الجيش في مواجهة الحزب بعد ان فشلت المحاولات السابقة.

السؤال المشروع هو انه هل يمكن للجيش ان يزوّد اياً كان بمعدات عسكرية وهو الذي ينتظر هبة من هنا واخرى من هناك من اجل سدّ الحاجة الضرورية للقيام بواجباته في الحفاظ على الامن ومحاربة الارهاب؟ هذا الجيش هو نفسه الذي يحارب بـ"اللحم الحيّ" الارهابيين في اكثر من منطقة، ولكان ربما تفادى سقوط العديد من الشهداء في صفوفه لو قدّر له ان يحظى بمعدات وأجهزة قتالية تفوق تلك التي يملكها الارهابيون.

وهل فعلاً بات الجيش يملك عتاداً اضخم وافضل من الذي يمتلكه حزب الله الذي يتلقى مساعدات مباشرة من ايران، وفي الآونة الاخيرة من روسيا ايضاً خصوصاً في سوريا؟ وفي ظل اسطورة الصواريخ الروسية التي اعطت حزب الله عزّه في المواجهة مع القوات الاسرائيلية التي خرقت الحدود وتقدمت داخل الاراضي اللبنانية في تموز من العام 2006، ماذا يمكن للجيش ان يقدّم للحزب؟

وانقسمت الرؤية التحليلية لهذا الاتهام، ومنهم من رأى انه مقدمة لتغيير السياسة الاميركية تجاه لبنان ومساعدة واشنطن للجيش ومدّه بالاسلحة والآليات بعد ان اخذت مركزاً متقدماً في السنوات الاخيرة ضمن اطار المساعدة على مواجهة الارهاب. ويرى هؤلاء ان انتخاب المرشح الجمهوري دونالد ترامب لا يساعد على الاستمرار في مساعدة المؤسسة العسكرية اللبنانية، وبالتالي قد يكون هذا الامر بمثابة تمهيد او ذريعة لتخفيف او وقف المساعدات العسكرية، خصوصاً وان الحرب على الارهاب باتت فاعلة وان المجموعات والمنظمات الارهابية باتت في حال ضعف ووهن على الصعيد العسكري وليس بالضرورة على الصعيد الامني. وهنا، يطرح السؤال عن مصير الطائرات التي وُعد بها الجيش اللبناني من قبل الاميركيين والذين كانوا قد ضغطوا على السعوديين لاستثنائها من قرار وقف الهبة العسكرية في حينه، ومصير الصواريخ التي كان من المفترض ان تزوّد هذه الطائرات بها.

واذا كان صحيحاً ان الاميركيين باتوا يرغبون في اعادة النظر بمساعداتهم العسكرية، فهل سيكون البديل القبول بالمساعدات الايرانية او طرق باب الروس مجدداً لتأمين ما يحتاجه الجيش اللبناني من معدات وآليات وأجهزة يمكن التعويل عليها للقيام بواجبه؟ وكيف سيكون الوضع اذا ما تبيّن، باليقين وليس بالشك، ان الملالات لم يكن مصدرها الجيش، وكيف سيتعاطى الاميركيون عندها مع هذه المسألة ووفق اي مقاربة؟

اما اصحاب وجهة النظر التحليلية الاخرى، فيرون ان الامر يتعلق مجدداً بوضع الجيش في وجه الحزب، وذلك عبر التشديد على ان الحزب يحاول اخذ مكانه والقول بأنه يهدف الى "تحجيم" الجيش ودوره. هذا الامر يحمل ايضاً الكثير من المبالغة، فالعروض التي كان يقيمها الحزب على مدى سنوات، لم يكن ينقصها سوى السلاح وهو الامر الوحيد الذي يجمع العالم على ان حزب الله يملك منه خزاناً لا ينضب، وبالتالي ليس صحيحاً ان اقامة عرض عسكري للحزب هو رسالة الى الجيش، فالواقع معروف ولا يمكن اخفاؤه. فالجيش اللبناني يبذل جهوداً مضاعفة من اجل التواجد على كل الاراضي اللبنانية ويعاني من نقص عددي ايضاً، فيما حزب الله متواجد على الحدود من جهة، ويقاتل في سوريا منذ سنوات من جهة ثانية، وهذا يعني بما لا يقبل النقاش ان الحزب موجود وليس بحاجة الى رسائل لاثبات وجوده على الساحة المحلية، بعكس الرسالة التي اراد ربما توجيهها الى الخارج بأنه بات بشكل رسمي، لاعباً اقليمياً على الساحة له حضوره.

لن تنجح محاولات دفع الجيش للاقتتال مع الحزب، لانها معركة خاسرة للطرفين بكل المقاييس، كما انها غير قابلة للتنفيذ في ظل تواجد رئيس الجمهورية الجديد وحرص الجميع على ابعاد لبنان عن اي حرب تحصل، فكم بالحري الحرب الداخلية؟

 

النشرة