استعاد القصر الجمهوري زخمه الديبلوماسي للمرة الأولى منذ ثلاثين شهراً. تهافت على طلب مواعيد لموفدين يزورون لبنان على التوالي. زحمة سفراء على طريق بعبدا إما لتقديم أوراق الاعتماد أو لنقل رسائل تهنئة أو لنقل رسائل طمأنة الى بعض الدول والعواصم المهتمة بالوضع اللبناني.


يحاول الديبلوماسيون الغربيون التأقلم سريعاً مع التبدّل السياسي القياسي في الوضع اللبناني بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتكليف سعد الحريري بتأليف حكومة جديدة في ظل مناخ من الاسترخاء السياسي يعبّر في مكان ما عن وجود إرادة دولية وإقليمية بعدم المسّ بالاستقرار اللبناني.

لا يخفي ديبلوماسيون غربيون طلبوا مواعيد لزيارة قصر بعبدا، في ظل امتعاض واضح من مبادرة الرئيسين الإيراني الشيخ حسن روحاني والسوري بشار الأسد لتقديم التهاني وإرسال وزيرين لهذه الغاية الى بيروت كانا في طليعة الموفَدين الخارجيين المهنئين.

وإذا كان الغربيون قد اعتبروا مبادرة روحاني والأسد محاولة للإيحاء بأن الحدث الرئاسي اللبناني يشكل "انتصاراً مشتركاً لهما"، إلا أنها شكلت حافزاً لهم وللأمم المتحدة ودول الخليج لاتخاذ القرار بمباركة العهد الجديد وتمني نجاحه.

التهافت على المباركة المتأخّرة، لا يُخفي القلق الغربي تحديداً حول مستقبل التركيبة الأمنية والعسكرية للعهد الجديد، وكيفية التعامل مع ملف النازحين السوريين.

في الموضوع الأول، يقول ديبلوماسي غربي في لبنان إن "التعاون العسكري مع الجيش اللبناني ومختلف الأجهزة الأمنية الأخرى مستمرّ وسيتعزّز"، لكن تبقى لديهم تساؤلات عدة حول الأسماء المحتملة لقيادة الجيش وهوية وزير الدفاع في الحكومة المرتقبة.

وفي الإطار نفسه، يوضح ديبلوماسي غربي آخر أن فرنسا لا تزال تنفذ الشق الخاص بها من عقد الهبة السعودية للجيش اللبناني بقيمة ثلاثة مليارات دولار أميركي، لكن الأسلحة التي تنجز عقودها تذهب إلى الرياض التي تحتفظ بها في مستودعاتها العسكرية، مؤكداً أن العقد لم يتوقف، وأن هناك إمكانية لإعادة الروح إلى الهبة إذا عرف لبنان كيف يستفيد من المناخ الذي تُبديه السعودية، خصوصاً وأنها قرّرت أن تنتقل من مرحلة الانكفاء الى مرحلة لعب دور إيجابي في محاولة استيعاب الوضع في لبنان، وهي تريد تثبيت وجودها فيه والانفتاح على كل الأطراف باستثناء "حزب الله"، موضحاً "أن كل ما قيل عن تخلّي الرياض عن الرئيس سعد الحريري تبيّن أنه ليس واقعياً. فقد أرسلت وزيراً إلى لبنان (ثامر السبهان) بعد فترة من الفتور في العلاقة بين البلديْن، وذلك قبيل إنجاز التسوية الرئاسية لتقديم المساعدة في هذا المجال".

من ناحية أخرى، يسجّل ديبلوماسي غربي من دولة أوروبية بارزة أن لبنان هو البلد الوحيد الذي جلس فيه السفيران الإيراني والسوري جنباً إلى جنب مع سفراء دول الخليج وممثليهم في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية. وهذا أمر يمكن البناء عليه في المرحلة المقبلة، برغم أن الوضع الإقليمي لا يزال معقداً ومحتدماً.

وعليه، يضيف الديبلوماسي نفسه، "التسوية التي أدّت إلى انتخاب عون رئيساً وتكليف الحريري بتأليف الحكومة، تدلّ على اقتناع اللبنانيين ودول المنطقة أنه لم يعد بالإمكان انتظار نهاية الأزمة السورية لترتيب الأمور الداخلية في لبنان".

وليس خافياً أن السفراء الغربيين تابعوا خطاب القسم بدقة "وقد وجدناه متوازناً إذ إنه ثبّت منطق الدولة وتحدّث عن ردع الإرهاب استباقياً وأصرّ على أولوية منع انتقال شرارته إلى لبنان وضرورة ابتعاد البلاد عن الصراعات الخارجية، وهذا من شأنه أن يثبت مرجعية الدولة".

من هنا، يشدّد الديبلوماسي الغربي على "ضرورة أن تكون المعادلة التي ستحكم البلاد في المرحلة المقبلة عادلة بمعنى ألا يكون أي طرف مسيطراً على الآخر. ما يعني أن الحريري، ليس عليه تقديم تنازلات مهمة لرئيس الجمهورية ولـ "حزب الله"، وأنه إذا أراد عون أن يُرسي دولة قوية فلا بد أن يطلب من "حزب الله" التنازل عن سلاحه وتسليمه للشرعية، خصوصاً أنه جعل القرار 1701 مرجعية في خطاب القسم"!

وحول مسألة النازحين، يترقّب الديبلوماسيون الغربيون ما سيصدر عن العهد الجديد في هذا السياق، مؤكدين في الوقت عينه، أنه لا إمكانية لإعادة بعض النازحين إلى سوريا في هذه الظروف الأمنية والعسكرية المعقدة، إذ لا يمكن لأحد أن يضمن سلامتهم في الأراضي السورية "خصوصاً أن معظم النازحين الموجودين في لبنان هم من المعارضين للنظام"، ولذلك، يشدّد هؤلاء على أن لا عودة للنازحين قبل التوصل الى حل سياسي للأزمة السورية.

(السفير)