يتّفق مؤرخو التاريخ بأنّ مداميك أوروبا الحديثة بكل قيمها ومؤسساتها وحرياتها تعود إلى الثورة التي من خلالها بدأ الحديث عن بناء أوروبا التي نعرفها اليوم، بدءًا من يوم في أواخر القرن الثامن عشر الذي انطلق منه هذا التغيّر التقني والفكري الذي أدّى إلى تحوّل جذري على كافة الأصعدة في الدّول الأوروبية وسمح بالتفكير وتقبّل المعلومات والعمل نحو التجديد لا التقليد والبحث عن كل ما يخدم البشرية و يسهّل شؤونها، وهذا ما جعل من المواطن الأوروبي يبدأ بالتفكير  من جديد.
والصواب هو أنّ أوروبا حينها لم تنتهج الإلحاد عندما صوّبت موقع الكنيسة وفصلت شؤونها عن السلطة كشأن بشريّ. و هذا الأمر أدى إلى الطلاق والقطيعة النهائية بين أوروبا الحديثة وأوروبا القديمة.
حينها بدأ الأوروبي، كالفرنسي و الألماني الإنكليزي وغيرهم، يبحثون عن الحقيقة التي كانت مسستترة بالنسبة إليهم طيلة أيام الجهل والظلام التي كانت تعيشها أوروبا في عهد تمسّك الكنيسة بالسلطة و ربط الناس بكل مبادئها اللاهوتية واللاماورائية التي إن دلّت على شيءٍ فإنها تدل على الجهل واستعباد الناس، وأبسط الأمثلة التي يمكن أن نعطيها هو صكّ الغفران الذي كان يعطى لكل من يتبع الكنيسة وينفّذ كل ما تطلبه دون تعليق ولا سؤال وبأنّ الحائز على هذا الصك يدخل الجنة دون سواه، و المقاربة في نصّي هذا تبدأ من النقطة هذه، إذ إننا نعيش نفس الحالة و نفس الواقع و الخطأ و نحن نؤكد ألا ريب في أننا لا نختلف عنهم إلا في التاريخ والوقت  والموقع ... 
كانت الكنيسة في العصور الوسطى  آنذاك تحكم بالإعدام على كل من يخالف شرائعها وتقاليدها وفهمها للكون و لإعطاء مَثل على هذا الأمر لا بدّ من الإشارة إلى ما فعلته الكنيسة بالمفكر و الفيلسوف ( غاليليو غاليلي ) فقد أمَرت الكنيسة بقتلته لأنه قال ما فهمه عن حقيقة الكون ولأنه قدّم فهمًا خارج الفهم الكنسي للكون إذ إنه عرف كروية الأرض بعكس فهمهم، و بذلك نال ما ناله من ويلات و قتل و حرق . 

كي لا أحصر الحديث عن الأوروبين وديمقراطيتهم، دعوني أنتقل معكم إلى تجربة النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم في بدأ دعوته إلى الحقيقة ونشر الإسلام  ودعوته الناس لوقفة  تأمّل في  عبادة الأصنام التي لا تسمع و لا ترى، فكم من الناس أهانوه و كذبوه و ضربوه ...

أمّتنا اليوم أمّة تعيسة تعيش عقدة النقص مع الآخر و تعيش عقدة المعرفة فكل شخص يحس بأنّه هو الحقيقة والآخر خرافة أو ممكن أن يكونوا أعدادًا في نفس التوصيف، هذا العامل أدّى بنا إلى الحضيض، لا أُفق ولا منهج و لا مبدأ يدعوا الأفراد إلى الرشد، أصبحنا كرماد مبعثر و بعدما نسينا أمجاد التاريخ وتعلقنا بالقشور، أمّتنا باتت أمّة مقلِّدة ضعيفة بسبب الفوارق السياسية والدينية والتناقضات القائمة هنا وهناك.
أصبحنا لا نعرف إلا أن نستخفّ ببعضنا، علَّمونا حب الذات والأنانية والإصرار على الرأي، وبأنّ الآخر دائمًا على خطأ الآخر بأفكاره و رؤاه، علَّمونا التجرّد من القيم الإنسانية. لقد انتشرت الحروب بيننا ولم تخلّف ورائها سوى  المشاكل  والتفرقة وتركت لنا مذاهب وديانات و أفكار تشبَّث بها البعض دون إدراك، و أصرّ على ألا يتركها .. 
إن مستوى العقل الشرقي، والعربي بالتحديد يزداد سوءًا يومًا تلو الآخر، ومستوى مجتمعاتنا أيضا وذلك لأن الجهل أصبح السيد الممجّد في كل المجتمعات و تكبّر على الخير و انبثقت منه أمراض الفتن و الآفات الاجتماعية، في ظل وجود أناس أمثال رجال الدين المعروفين حتمًا في كل الساحات، هم وقدراتهم الجبارة  في جذب الناس إليهم و التمسّك بهم. 
نواجه اليوم مسألة أساسية و هي ولاية الفقيه هذه مسألة لا ريب أنها تحمل في طياتها مبادئ الكنيسة في السابق، إنما انبثقت بنفَس إسلامي وخاصة عند الأكثرية الشيعية. هذا الأمر جعل من بعض الشيعة دمى تتحرك بأمر من الوالي المفقه المعظم إلا أنها في نفس الوقت تبلورت عند البعض على أنها ليست سوى نظرية سياسية بأدوات دينية. ليست سوى محاولة لكبت الناس والتفكير عنهم، ومعاملتهم بأنهم كرف من السنونو الطائر بدون عقل والذي يتوجه إلى فوهة بندقية الصياد بدون أي حذر لكأنه أغبى الطيور.

ختاما أعرف أن كلامي هذا لن يزيد من المعرفة شيئا لدى الجهلة، وأدرك أنني وإن قلت هذا الكلام أمام أعينهم سيحكموا عليّ بالقتل، لأن الحرية لا قيمة لها في قاموسهم إن هم مَلكوا قاموسًا من كلمات أو ناموسًا من دين.