بارتباكٍ، دخل علي مخفر الغبيري. جلس الصغير على كرسي بالقرب من خالته وحَيّا المحيطين به بابتسامةٍ خجولة. أدار الفتى نظراته داخل الغرفة باضطراب، وكأن أسئلةً كثيرةً تتزاحم داخل رأسه. بعدما ملّ سجن الانتظار الطويل، سأل: "أين أمي؟".

بعد غيابها خمسة أيام، عادت الأم فاطمة إلى ابنها وحياتها.

لم يفهم علي ما دار تحديداً في تلك اللحظة. لم يسأل لماذا دخلت أمه إلى السجن، ولا لماذا أو كيف خرجت منه. لكن فاطمة فهمت حتماً. عادت المرأة حرّةً بعدما تقدمت موكلتها وشقيقتها فاديا حمزة بطلب اعتراض إلى المحكمة الجعفرية على قرار منح حضانة الطفل لوالده، فما كان من القاضي الشرعي جعفر كوثراني، ونتيجة الضغط الذي مارسته منظمات المجتمع المدني، إلا أن تراجع عن القرار وأصدر قراراً مقابلاً قضى بوقف تنفيذه.

وأوضح كوثراني لـ "السفير" أن "القرار الذي أُعطيت بموجبه الحضانة للوالد صدر غيابياً، وكان يُمكن استئنافه مباشرةً قبل اللجوء إلى القضاء المدني، إلا أن الجهة المعنية لم تسر وفق المسار القانوني المطلوب"، معتبراً أن "عدم اعتماد التسلسل القانوني في الدعوى أدى إلى حدوث خللٍ، وبالتالي ضياع الحقوق ونشوب الفوضى".

واعترض كوثراني على تحميله من قبل بعض وسائل الإعلام مسؤولية سجن فاطمة، مشدداً على أن "القضاء الشرعي الجعفري جزءٌ من تنظيمات الدولة القضائية ويستند في أحكامه وقراراته على أساس الفقه الأسلامي لدى الشيعة الإمامية مع مراعاة القوانين والأصول المرعية الإجراء على الأراضي اللبنانية، وبالتالي فإنني كغيري من القضاة محكومٌ بنصٍ واجتهاد".

لا شكّ أن خروج فاطمة من السجن نجاحٌ يُسجل في رصيد المنظمات والحملات المدنية الساعية للدفاع عن حقوق النساء اللبنانيات، لاسيما الحملة الوطنية لرفع سنّ الحضانة لدى الطائفة الشيعية. لم تُخفِ الناشطات في الحملة فرحتهن بنجاحهن في مسيرة الدفاع عن حق فاطمة بالاحتفاظ بابنها، إلا أن الحملة أصرت على تصويب بوصلة أهدافها. بالنسبة للقيّمين عليها تكمن المشكلة الأساسية في القوانين المعمول بها، والتي تفرض قيوداً على النساء وتنتهك الكثير من حقوقهن.

وأوضحت الحملة في بيان أن "قرار وقف تنفيذ سجن فاطمة لم يكن ليحدث لولا الضغط الكبير الذي مورس من قبل جميع النساء اللواتي شاركن في اعتصام يوم السبت الماضي، والذي من خلاله تمّت تعرية ممارسات المحاكم الجعفرية أمام الرأي العام".

وشددت الحملة على أن "خروج فاطمة من السجن ليس انتصاراً. خروجها هو النتيجة الطبيعية للضغط الحاصل، في حين أن الانتصار الحقيقي يكون عندما تُحقق المطالب في ما يخصّ رفع سنّ الحضانة لدى الطائفة الشيعية، لكيّ نضمن عدم تكرار ما حصل مع فاطمة مع سواها من النساء".

وبحسب الناشطة في الحملة زينة ابراهيم فإن "الحملة تعمل منذ سنوات تحت عنوان عريض وهو رفع سنّ الحضانة لدى الطائفة الشيعية، ولا يُسجل انتصارٌ فعلي لنا إلا عند التجاوب لهذا المطلب"، مشيرةً إلى أن "الحملة لن تستكين قبل الوصول إلى الهدف المذكور، خصوصاً أن المضي في تطبيق القوانين نفسها من دون اي تعديل يعني الاستمرار في ظلم النساء وخلق مئات الحالات المشابهة لحالة فاطمة"، كاشفةً عن "وجود تحركات مطلبية في الأيام المقبلة".

(السفير)