في أعماق بازيليك القديس بطرس، ينزف المسيح. وتظهر على وجهه تعابير الألم والمعرفة في آن معاً. شفتاه مشقوقتان والدم يسيل من الجراح التي تغطي جسده المضروب. وهو مسمّر على صليب.

في بازيليك القديس بطرس المسؤولة عن صيانة وسلامة عدة ذخائر وقطع دينية، ترتاح قطعة رائعة. نخرها النمل الأبيض طوال 700 سنة، الأمر الذي يدفع بالخبراء إلى العمل بشكل مضنٍ لإعادة المنحوتة إلى سابق روعتها.

المنحوتة هي أقدم مصلوب في بازيليك القديس بطرس. هي تحفة نحّات مجهول صاحب “موهبة فنية استثنائية” ومهارة تقنية ترقى إلى القرن الرابع عشر.
كان المصلوب معلقاً في بازيليك القديس بطرس الأصلية التي ترقى إلى القرن الرابع والتي بناها الامبراطور قسطنطين، ومنحوتة صلب المسيح الخشبية التي تعود إلى القرن الرابع عشر “قامت” من الظلام.

يبلغ طول القسم الأعلى من جسد المسيح وساقيه 7 أقدام. وهو منحوت في قطعة واحدة من خشب الجوز. تمتد كل ذراع حوالي 6 أقدام ونصف، وقد نُحتتا مع رأس المسيح بشكل منفصل، وإنما على جزء من الشجرة القديمة عينها.


في مؤتمر صحفي عقد في الفاتيكان في 28 تشرين الاول، قال الكاردينال أنجيلو كوماستري، رئيس كهنة بازيليك القديس بطرس: “وجدنا كنزاً مخبأ تحت غبار عدّة قرون”.
مع مرور السنين، نُقلت التحفة الرائعة من البازيليك الرئيسية إلى أن تُرِكت في كابيلا مغلقة.

من جهته، أوضح المونسنيور فيتوريو لانساني، أمين سر “مصنع القديس بطرس” المسؤول عن الاعتناء ببازيليك القديس بطرس وصيانتها، أنه كان لدى البابا بيوس الحادي عشر مصعد موضوع في الكابيلا المغلقة لربط المقر البابوي بالبازيليك.

وكشف لانساني: “نظراً إلى أنها (التحفة) وُضعت في الظلام وفي بقعة مهملة وغير قابلة تقريباً لأن يتم الوصول إليها، نُسيت من قبل كثيرين، وأُبعدت بطريقة ما عن عبادة المؤمنين”.

عندما تبين أن المصلوب متآكل تظهر عليه علامات لمحاولات المرممين الأوائل الهادفة إلى الحفاظ عليه بلفائف أقمشة وجص وطلاء باللون البرونزي، علِم المرممون أن بانتظارهم عملاً طويلاً.

طوال فترة خمسة عشر شهراً، عملوا من دون كلل واكتشفوا تسع طبقات من الطلاء والغلافات الواقية على جسد المسيح، وخمس عشرة طبقة على مئزره الأبيض.

في سبيل ملء الفجوات العميقة في إبطيه ووجهه وصدره، خُلطت نشارة الخشب التي خلفها النمل الأبيض مع مواد لاصقة صُممت على الشكل المناسب لاحقاً.

واستُبدل حبل مدهون سميك كان موضوعاً حول رأس المسيح بإكليل من الأشواك الحقيقية من نوع معروف بشوك المسيح يمكن إيجاده قرب البحر الأبيض المتوسط.

ومع الأسف، فُقد الصليب الأصلي الذي سُمر عليه المسيح، فصنع العمال صليباً جديداً من خشب الجوز الذي ينمو قرب مزار مريمي قديم في وسط إيطاليا.

سُرّ الكاردينال كوماستري بالإعلان عن أن القطعة المرممة ستُعرض أمام العلن للمرة الأولى في 6 نوفمبر خلال يوبيل البابا فرنسيس للمساجين كـ “علامة رجاء رائعة ورسالة رحمة”.

عقب الرسالة اليوبيلية، سيوضع المصلوب في كابيلا السر المبارك في القسم الرئيسي من بازيليك القديس بطرس.

سيُكرَّس “إحياء لذكرى يوبيل الرحمة” وسيُعلَّق على الجدار من الجهة اليسرى للمدخل لكي يتلقى الناس على الفور التحية من نظرات المسيح لحظة كان مستعداً لبذل حياته.

موّل الترميم فرسان كولومبوس تعبيراً عن “التضامن مع الأب الأقدس” لسنة الرحمة، وفقاً لما قاله كارل آندرسون، الفارس الأسمى لفرسان كولومبوس.

وصدر عن آندرسون بيان مكتوب جاء فيه: “نرجو أن تكون هذه الصورة الرائعة لآلام المسيح تذكيراً لجميع من يراها بالمحبة العظيمة التي يكنها مخلصنا لكل واحد منا، وبأعماق رحمته المستعدة دوماً لمعانقتنا والمغفرة لنا”.

aleteia