«الاثنين الكبير». 31 تشرين الاول هو «يوم تاريخي». لا مبالغة في هذا التوصيف لأن انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية لا يعد فقط نقطة تحول رئيسي في مسار الوضع اللبناني و«مرحلة ما بعد انتخابه تختلف تماما عن مرحلة ما قبله».

وإنما أيضا لأن هذا الانتخاب الاستثنائي يكتسب ويختزن الكثير من المعاني والدلالات والاستنتاجات، ويكفي أن أمورا وأشياء كثيرة مع انتخاب عون ومن خلاله تحدث للمرة الأولى:

٭ هذا الحدث يعد «سابقة تاريخية»، لم يحدث في أي دولة في التاريخ الحديث أن رئيسا أو مسؤولا سقط وأخرج من السلطة ومن قصره بالقوة العسكرية يعود الى السلطة والى القصر وبعد 25 عاما بالقوة السياسية وعن طريق الانتخاب، لم يحدث أن زعيما سياسيا جرى تدميره ووصل الى القعر تتوافر له فرصة ثانية للعودة والوصول الى «قمة السلطة»، هنا لا تعود أسباب وظروف العودة الى قصر بعبدا مهمة. النتيجة هي التي يبنى عليها والواقع يصبح هو المهم.

والنتيجة أن واقعا جديدا قد نشأ ومرحلة جديدة بدأت مع شخصية «قديمة» منتمية الى مرحلة سابقة.
إن البعد الأول لعودة عون الى قصر بعبدا هو بعد «انتقامي ثأري»، عون الذي خرج من القصر مهانا مطاطئ الرأس يثأر بعد 25 سنة ويعود الى القصر «مرفوع الرأس وموفور الكرامة».

٭ للمرة الأولى في مرحلة ما بعد اتفاق الطائف وما بعد الحرب، يصل الى قصر بعبدا الرئيس القوي سياسيا وشعبيا عند المسيحيين، ويكون الاحتفال بدل الإحباط في الشارع المسيحي.
هذا التغيير في معادلة الرئاسة الأولى المارونية ينهي اختلالا في معادلة الرئاسات الثلاث ويوجد تكافؤا جديدا من نوعه لجهة أن «الأقوياء في طوائفهم» هم «الرؤساء» ومن يمثلون طوائفهم في الحكم.

هذا واقع جديد يتم تدشينه وإطلاقه ابتداء من اليوم ويعد أولى الثمار العملية لمصالحة واتفاق القوتين الأكبر على الساحة المسيحية، التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وتوحيد الموقف الرئاسي وفرض تحول في مسار الاستحقاق ومصيره.

وأيضا لا مبالغة في القول أو في الافتراض أن لحظة انتخاب العماد عون اليوم تعلن انتهاء وسقوط آخر أسباب ومبررات الإحباط، لا بل الانحدار المسيحي.

٭ للمرة الأولى، يصل الرئيس الماروني الى قصر بعبدا بدعم وقرار شيعي، أيا كانت العوامل المساهمة في انتخاب عون، ومنها العوامل المحلية المباشرة المتمثلة بتحول جعجع والحريري الى هذا الخيار، يبقى أن حزب الله هو الذي كان وراء وصول حليفه ومرشحه الوحيد ميشال عون الى قصر بعبدا عندما وضع منذ البداية معادلة عون رئيسا أو الفراغ الى ما شاء الله، متحينا ظروفا إقليمية مساعدة لفرض هذا الانتخاب ومراهنا على تراجع فريق 14 آذار، وهذا ما حصل على مرحلتين من جانب الحريري عندما بادر أولا الى ترشيح فرنجية وما شكله هذا الإعلان من تسليم سياسي أن رئيس الجمهورية سيكون حكما من حلفاء حزب الله، ولتصبح مسألة انتقال الحريري من فرنجية الى عون (خصوصا بعد دعم جعجع له) مسألة وقت.

وهذا ما راهن عليه حزب لله الذي كان واثقا بأن من تراجع وسمى فرنجية سيأتي يوم ويتراجع لتسمية عون ولن يكون صعبــا عليــه أن يفعــل ذلك.
هذا الحدث، انتخاب عون رئيسا، هو أحدث وأهم مؤشر، من جهة الى تعزيز السيطرة السياسية لحزب الله في لبنان الى درجة وضع اليد على الوضع وإدارته والإشراف عليه ووراثة الدور السوري، ومن جهة ثانية الى صعود التأثير والنفوذ للطائفة الشيعية في الحكم والدولة والى ميزان قوى سياسي طائفي جديد في لبنان يتبلور أكثر فأكثر ابتداء من اليوم، ويحدث للمرة الأولى بعد الخروج السوري من لبنان مع نجاح حزب الله في كسر معادلة الرئيس التوافقي وفرض معادلة الرئيس الطرف والحليف.

٭ للمرة الأولى في مرحلة ما بعد الحرب وما بعد الطائف، أي منذ العام 1975، تتم «لبننة» الاستحقاق الرئاسي وينتخب رئيس صنع في لبنان، إذا سلمنا جدلا أن آخر تجارب ونماذج اللبننة كان في انتخاب الرئيس سليمان فرنجية عام 1970.

والنتيجة أن عون هو الرئيس الأول الذي يصل من دون «شبه إجماع» وفي ظل وجود معارضة وازنة لعهده.
بالتأكيد، لا يمكن الحديث عن رئيس صنع في لبنان 100%، ولا يمكن إغفال المؤثرات والعوامل الإقليمية.

ولكن هذه العوامل لعبت هذه المرة ليس في فرض أو تعيين الرئيس، وإنما في المساعدة على تمريره في لحظة إقليمية دولية مناسبة وفي الوقت الأميركي الضائع، فلم يكن لبنان أولوية على اللائحة الدولية ولم يكن انتخاب الرئيس موضع اهتمــام ومبادرة، خصوصا بعد وصول كل المبادرات الخجولة الى طريق مسدود والتأكد أن المعادلة داخلية، خصوصا أن إيران وسوريا فوضتا للسيد حسن نصــرالله اتخاذ القرار الذي يــراه مناسبا وملتزمتان بقراره.

 


الانباء الكويتية