كل المعطيات تشير إلى أنّ الأمور باتت محسومة وأن " الإثنين الرئاسي" سينتج رئيساً للجمهورية، وأن التاريخ اللبناني الحافل بالإخفاقات سيدوّن على صفحاته الرقم 46 لجلسةٍ ليست كسابقاتها، حققت حلم العماد ميشال عون بالفوز في السباق الرئاسي، وأنهت الشغور الرئاسي. وبناءً على الحوادث المتسارعة التي تسجّلها الأيام الأخيرة قبل الإنتخاب، باتت أنظار الجميع متجهة إلى ما بعد ظهر الإثنين، وكيفية مقاربة العهد الجديد للملفات العالقة.


على رغم وضوح صورة الإثنين وحتمية انتخاب عون بفارق كبير في الأصوات بينه وبين النائب سليمان فرنجية، ما زال البعض يتحدث عن امكان حصول مفاجأة من شأنها أن تعرقل انتخاب عون في اللحظات الأخيرة، قد تكون بمثابة قطبة مخفية تنزع اللقمة الرئاسية من فم عون بالتزامن مع حدوث الجلسة، وأصحاب هذا الرأي يتحدثون عن حالات مماثلة نام أبطالها على حرير الرئاسة واستيقظوا على كابوس الرئاسة الضائعة، ويشيرون في هذا السياق إلى امكان تطيير النصاب في الدورة الثانية في ظل إصرار الرئيس بري على اعتبار الجلسة بمثابة دورة أولى تحتاج إلى الثلثين نصاباً واقتراعاً. ويستند داعمو هذه النظرية إلى جملة عوامل أبرزها، أن التسوية الرئاسية أتت بمثابة تهريبة لم يهضمها العديد من القوى السياسية، ولو أنها وجدت نفسها مرغمة على السير بها، وعلى سبيل المثال أن كتلة "المستقبل"، التي قامت بنفسها بقلب المشهد الرئاسي لصالح عون، أُرغم العديد من أعضائها على السير بالتسوية خلافاً لقناعاتهم، وقبلوا بالإقتراع لعون على مضض وهم يهمسون "كارثة وصول عون"، في حين أن كتلاً أخرى جاهرت برفضها تجرّع ما اعتبرته كأساً مرة ولو على حساب بقائها خارج جنّة الحكومة ، ومن بين هؤلاء كتلة الكتائب التي رفضت الرضوخ لتسوية عون – الحريري ، وكتلة التنمية والتحرير بحيث اعتبر رئيسها أن الحريري غدر به، كما بقي المرشح سليمان فرنجية في ساحة المعركة ولو بأسلحة متواضعة. وبالتالي افتقاد التسوية إلى عنصر الإجماع الوطني يفتح الباب أمام عنصر المفاجأة برأي رئيس المرصد اللبناني للعلاقات الدولية الإستراتيجية الدكتور وليد عربيد، الذي تساءل في حديث لـ " لبنان 24 " عن سبب بقاء فرنجية على ترشيحه، "المشهد يوحي وكأن هناك احتمالاً لقطبة مخفية أو كلمة سر. فالمجتمع الدولي يفضّل فرنجية على عون، وفرنسا مثلاً سارعت إلى الإتصال بفرنجية لتهنئته فور تبنّي الحريري لترشيحه، وكلام وزير الخارجية الأميركي جون كيري يُقرأ في هذا السياق" ، كما أنّ القوى الداخلية تدرك أنّ العماد عون المتحالف مع "حزب الله" يثير تحفظاتٍ ومخاوفَ غربية وخليجية .

عربيد يشير في الوقت نفسه إلى الرسالة التي وجهها الرئيس بري عشية الإستحقاق انطلاقاً من الشارع "من خلال توقيت التظاهرة التي نفذتها اتحادات ونقابات قطاع النقل البري في مختلف المناطق". أمّا سوريا، يضيف عربيد "فلها دور باللعبة الإنتخابية ومرشحها هو فرنجية، الملتزم اتفاق الطائف والذي لا يثير المخاوف نفسها التي يثيرها عون وموقفه من الطائف".

عربيد يرى أنه لو حصل انتخاب عون رئيساً في جلسة الإثنين سنكون أمام معضلة تأليف الحكومة بعد تكليف الرئيس سعد الحريري " فمن أدار الأزمة لم يدرك حسن إدارتها، ولا ننسى أنّ الازمات السياسية في لبنان محكومة بثلاثة عوامل، العامل الداخلي والصراع السني الشيعي بعدما كان صراعاً مسيحياً مسلماً، العامل الإقليمي بحيث لا يمكن فصل الداخل اللبناني عن الإرتدادات السلبية للأزمة السورية، والعامل الدولي حيث نعيش وسط صراع دولي قد ينقلب حرباً كونية في أي لحظة، ولبنان مغيّب عن اهتمامات الدول الكبرى في هذه المرحلة "، وبالتالي استبعد عربيد أن نشهد حلولاً قبل انتهاء الأزمة السورية، مشيراً إلى عقبات ستظهر في عملية التشكيل. أمّا قانون الإنتخاب فسيواجه معضلة لا تقل عن تلك المتعلقة بالتأليف وفي أحسن الأحوال سيُطعّم الستين بالنسبية، ولكن في سياق المحافظة على التوازن السياسي واحترام الخصوصية الجنبلاطية، وطمأنة هواجس الحريري ولاسيّما في حال أقدم اللواء أشرف ريفي على تشكيل لوائح في بيروت وصيدا .

إذن عشية الإستحقاق وإن كانت المعطيات السياسية تتمحور حول الحسم الرئاسي، ما لم يطرأ ما ليس في الحسبان، يبقى أن أهمية تحصين العهد باكبر قدر من الوفاق المحلي توازي أهمية انتخاب رئيس وإنهاء الفراغ .

 

لبنان 24