«اعطوني الحل البديل لكي أسير به». جملة كرّرها الرئيس سعد الحريري عشرات المرات، في عشرات اللقاءات التي عقدها مع شخصيات حليفة، ومع نواب كتلته، ومع المعترضين على ترشيح العماد ميشال عون.جملة أسباب يشرحها الحريري تبدأ من الوضع الإقليمي غير المؤاتي من اليمن الى العراق وسوريا، المرشح أن يمتد الى لبنان اختلالاً كاملاً في موازين القوى، وتمرّ بالوضع الاقتصادي والمالي السيّئ على وقع تحذيرات حاكم مصرف لبنان من عدم القدرة خلال الاشهر المقبلة على ضبط سعر الليرة، وتنتهي بالوضع الشخصي للحريري، الذي يجد أنّ وجوده في السلطة بات حاجة ماسة في ظلّ الأزمات التي يتعرض لها.

لم يكن هذا الكلام مقنعاً لمَن استمعوا اليه، فالسؤال عن البديل لا يعفي السائل من أن يسأل عن المصير في حال لم يكن اتفاقه مع عون معمَّماً على «حزب الله» والرئيس نبيه برّي، القادرَين عملياً على منعه من تشكيل الحكومة، مع ما يعنيه ذلك من أفخاخ لن يكون بالامكان تفادي نتائجها الكارثية، عليه وعلى قاعدته.

ينقل عن الحريري قناعته باتفاقه مع عون، وقناعته بأنّ الجنرال قادر على التزام وعوده التي صيغت على شكل اتفاق مفصل حول كلّ مسار العهد الجديد، هذا ما أوحى به عندما شبّه التزام عون معه بأنه اتفاق منزل، لا يحتمل التعديل ولا التأويل، لكنّ كلام الحريري لم يمر لدى اعضاء كتلته مرور الكرام، فالردود تمحورت حول التشكيك في قدرة عون على الالتزام.

فمَن سيضمن أن لا يعرقل «حزب الله» تشكيل حكومة العهد الاولى، وعون بالتأكيد لن يستطيع حتى لو أراد أن يذلّل موقف برّي المدعوم من «حزب الله»، وعندها سيكون الحريري قد أعطى شيكاً رئاسياً يصرف على مدى ست سنوات، ونال شيكاً مؤجَّل الدفع الى تاريخ لم يحدد، أما التوقيع فيمتلكه الحزب القادر على منع تشكيل الحكومة، ومنع انطلاقتها.

عملياً تشبه خطوة تأييد عون، دخولاً في حقل ألغام، قد ينفجر أحدها في أيّ لحظة، ويحوّل مَن يعبر هذا الحقل الى انتحاري سياسي. لم يستبعد الحريري هذا التشبيه بل تبنّاه، لكنه وجد أنه لم يعد لديه خيار، في ظلّ انسداد الأفق العربي والسعودي تحديداً. كلّ ما ناله في السعودية كان كلاماً لا يلزمه ولا يستطيع الاتكاء عليه: «قم بما تعتقده مصلحة للبنان، وتحمّل المسؤولية».

أما في ما يخصّ الموقف الدولي، فقد سمع الحريري من الفرنسيين، حثاً على انتخاب رئيس، وسمع من الاميركيين كلاماً بارداً عن تأييد كلّ ما يؤمن الاستقرار في لبنان، وهذا كلام ديبلوماسي لا يُعبّر إلّا عن عدم اكتراث بما ستؤول اليه الامور، وبما سينتج من اختلال للتوازنات، هو كلام عن تحميل المسؤولية لمَن سيتّخذ هذه الخطوة الى مَن تبنّاها.

في كلّ الأحوال وبعد الاعلان المتوقع عن تأييد الحريري لعون، سوف يدخل الملف الرئاسي في مرحلة جديدة، لن يقرّر مسارها إلّا «حزب الله» ومَن ينوب عنه، ومَن يكلّفه بأداء مهمات التعطيل أو التسهيل، ولكلٍّ من الحالين شروطها ونتائجها.

فور الاعلان عن تأييد عون ستصبح الورقة الثمينة في يد الجنرال المرشح، الذي سيحاول إن انتُخب رئيساً، أن يكون صلة الوصل بين «حزب الله» والحريري، وهذا ما يأمل به الاخير، لكنّ الضمانات لتنفيذ هذا الاتفاق لا يملكها عون بل يعطيها «حزب الله»، الذي تصدر عنه اشارات واضحة، لا تسمح بالقول إنّ تفاهم عون الحريري، يمكن أن ينفذ، بالتزاماته الثنائية.