يعيش عسكريون سابقون في الجيش التركي ترقبا بانتظار قرارات لتعويض ضباط كثيرين أجبروا على ترك الخدمة ضمن حملة تطهير واسعة أقرها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عقب محاولة فاشلة للانقلاب على حكمه في منتصف يوليو.

وهؤلاء الضباط هم في أغلبهم عسكريون علمانيون تم طردهم من الجيش وفقا لقرارات اتخذها جنرالات ينتمون إلى حركة فتح الله غولن، رجل الدين المقيم في منفى اختياري في الولايات المتحدة، منذ أن كان حليفا مقربا من أردوغان.

لكن أردوغان يحاول وضع حد لهيمنة رجال غولن على الجيش. وإذا تمكن من تحقيق نتائج ضمن المواجهة الحاسمة التي تجري اليوم، فسيكون قد أنهى هيمنة الإسلاميين لأول مرة على أفرع الجيش الرئيسية منذ عقود.

وينتظر الكثير من الضباط، ومن بينهم محمد علي شلبي الطيار السابق، تعويض نقص هائل في القوات الجوية التي شهدت تسريح 265 طيارا من ضمن أكثر من 5 آلاف عسكري طردوا من الخدمة، من بينهم نصف عدد من يشغلون مواقع العمداء والجنرالات في كافة قطاعات الجيش.

وبات عدد الطائرات المقاتلة في ثاني أكبر قوة عسكرية ضمن حلف الناتو، يفوق عدد الطيارين المؤهلين، وهو ما يضع مستقبل الجيش على المحك.

ويقول خبراء عسكريون إن تعويض النقص في القوات الجوية خصوصا قد يستغرق عشر سنوات.

وأثرت موجة التطهير على الروح المعنوية للجيش الذي يشارك في عمليات عسكرية في شمال سوريا ضد تنظيم الدولة الإسلامية وفصائل كردية معادية لأنقرة. ويشارك سلاح الجو التركي في قصف مواقع التنظيم المتشدد ضمن تحالف دولي يهدف إلى استعادة مدينة الموصل العراقية.

ويأمل العسكريون الذين تم تسريحهم في السابق مثل شلبي، وشاهدوا بدلا من ذلك صعود المنتمين إلى تيار غولن، أن تمهد عملية التطهير الطريق نحو عودتهم مرة أخرى إلى مواقعهم القديمة، لكن غياب الثقة مازال يضفي ضبابية على القرارات المنتظرة.

ونجح الجيش في تعويض مناصب الجنرالات الذين تم استبعادهم، كما تبدو القوات الجوية قادرة على الاستمرار في العمل، باستثناء احتمال الدخول في حرب واسعة النطاق مع دولة أخرى.

وقالت مصادر لمجلة “إكونوميست” البريطانية إن الكثير من الطيارين الذين تركوا الخدمة مع شلبي نهاية 2010، تمت إعادتهم إلى الخدمة لتعويض النقص.

لكن مستوى الاحتقان داخل صفوف الجيش مازال آخذا في الارتفاع، إذ تم تخطي التراتبية والخروج على تقاليد عسكرية راسخة، وجُرد الكثير من القادة من صلاحياتهم لصالح المدنيين.

ويقول محللون عسكريون غربيون إن فرض حالة الطوارئ التي تمنح سلطات واسعة للرئيس ورئيس الوزراء على الجيش، بالإضافة إلى إلغاء المدارس العسكرية يضفي شعورا بعدم اليقين لدى الجنود والضباط.

وبات وزير الداخلية مهيمنا على قوات الدرك التي كانت تتبع القوات المسلحة، بالتزامن مع إعادة تشكيل المجلس الأعلى العسكري الذي ضم لأول مرة عددا من وزراء الحكومة المدنيين يتخطى عدد العسكريين.

ويقول دوروك إيرغون، الباحث في مركز “إي دي إيه إم” للأبحاث في إسطنبول “ما نشهده اليوم هو أعمق تغييرات في بنية الجيش منذ تأسيس تركيا”.

وتضع هذه التغييرات حدا لحقبة طويلة امتلك خلالها الجيش أجندة شبه مستقلة عن الحكومة، وقادت عقيدة “حامي العلمانية” التي تبناها طوال هذا الوقت إلى 4 انقلابات.

ويقول سولي أوزيل، الباحث في جامعة قادير، “الجيش يتخلص من المدرسة البروسية التي تأسس في الأصل وفقا لمبادئها”.

صحيفة العرب