يبدو «التوقيت المحلي» للاستحقاق الرئاسي معلقا على ساعة الرئيس سعد الحريري الذي يكاد يستهلك كل المخزون الاحتياطي من الوقت المخصص للتشاور والدرس، قبل أن يتخذ قراره الرسمي من ترشيح العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية.
وما دام الإعلان الرسمي عن دعم انتخاب «الجنرال» لم يخرج بعد من بيت الوسط، فلا عون سيبادر في اتجاه الرئيس نبيه بري، ولا رئيس المجلس سيباشر في التفاوض الحقيقي على ثمن وصول «الجنرال» الى القصر، ولا النائب سليمان فرنجية سيفكر في إمكان انسحابه من السباق الرئاسي، ولا «حزب الله» سيدخل على خط تليين مواقف بعض الحلفاء.
ليس هناك ما يضطر أحدا من هذه الأطراف الى أن يوقع على أي «سندات» سياسية مسبقة والالتزام بتسديدها من الآن، ما لم يجاهر الحريري بدعم ترشيح «الجنرال»، خصوصا أن الرياح الإقليمية والدولية قد تعيد بعثرة الأوراق، قبل أن تبلغ صندوق الاقتراع.
هبّات متفاوتة
ثم إن تمهل الحريري المستمر في الخروج من المنطقة الرمادية سمح بإطلاق بورصة يومية ومتقلبة من التوقعات والترجيحات المتناقضة التي تتلاعب بمصير الاستحقاق الرئاسي وبعواطف مؤيدي عون ومعارضيه، على حد سواء.
وعلى وقع هذه البورصة السياسية المتأرجحة، تعلو أسهم «الجنرال» قبل الظهر، ثم تنخفض بعد الظهر، وهكذا دواليك، في ظل تسريبات متفاوتة حول نيات الحريري الذي بات مُطالبا بأن يضع حداً لهذه البلبلة التي أصبحت تسيء الى مقام الرئاسة والمرشحين اليها.
وتردد أن الحريري قد يزور السعودية، في طريق عودته الى بيروت، توطئة لاتخاذ القرار النهائي.
وما زاد من غموض المشهد، هو الموقف المستجد للنائب وليد جنبلاط، الذي، على عادته في إطلاق الإشارات الملتبسة والقابلة للتأويل، غرّد أمس على حسابه عبر «تويتر» قائلا: «أتت كلمة السر يبدو، الله يستر..»، مطلقا العنان بعد هذه التغريدة لاستنتاجات شتى.
مواعيد الرابية
أما حقيقة موقف الحريري المرتقب، فإن المؤشرات المستمدة من «مراصد» الرابية تفيد بأن مقوّمات المجاهرة به نضجت واختمرت، وأن الإعلان عنه سيتم خلال الأيام القليلة المقبلة، وبالتالي فإن السؤال السائد حاليا في أوساط «التيار الحر» هو: متى سيعلن الحريري عن دعم الجنرال؟ وليس: هل سيعلن عنه؟
وفي هذا الإطار، أكد مقربون من الرابية لـ«السفير» أن عون سبق له أن تبلغ قرار الحريري بدعم ترشيحه، وأن ما ينتظره الجنرال هو الإعلان الرسمي عن هذا القرار خلال الأسبوع الحالي، على أن يُترك الإخراج المناسب لرئيس «المستقبل»، وفق ما تم الاتفاق عليه بين الجانبين.
السنيورة.. والسنونو
وفيما تتوقع أوساط «التيار الحر» أن يقول الحريري كلمته قبل جلسة 31 تشرين الاول الرئاسية، سألت «السفير» رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة عن تعليقه على تفاؤل «التيار البرتقالي» وبعض الأوساط السياسية بقرب حسم الحريري لخياره وصولا الى انتخاب عون رئيسا في القريب العاجل، فاكتفى بإجابة مرمّزة، قائلا: سنونوّة واحدة لا تصنع الربيع..
وفي سياق متصل، أبلغت مصادر بارزة في «المستقبل» «السفير» أن هناك مبالغات في الأجواء التفاؤلية التي تسود الرابية حيال قرب إعلان الحريري عن تأييده ترشيح الجنرال.
واعتبرت المصادر المعروفة بعدم حماستها لخيار انتخاب عون أنه من المبكر جدا الخروج باستنتاجات قاطعة وحاسمة في ما خص مسار الاستحقاق الرئاسي وموقف الحريري، لافتة الانتباه الى أن هناك تعقيدات عدة لا تزال تحول دون وصول الجنرال الى قصر بعبدا.
وأشارت المصادر المحسوبة على صقور «المستقبل» الى أنها تستبعد أن يُنتخب عون في جلسة 31 تشرين الاول أو حتى أن يبتّ الحريري في موقفه قبل هذا التاريخ، لافتة الانتباه الى أن حسابات الداخل والمنطقة غير مؤاتية بعد لانتخاب عون.
واعتبرت المصادر البارزة في «التيار الأزرق» أن مقابلة واحدة أو خطاباً واحداً للجنرال لا يكفيان لمحو تراكمات سنين من أزمة الثقة، ناصحة تياره بالتمهل في أجوائه الاحتفالية، «وإذا كنا الآن في مرحلة خلط الأوراق، فهذا لا يعني بالضرورة أن حصيلة هذا المخاض مضمونة في هذا الاتجاه أو ذاك».
ولاحظت المصادر أن أنصار عون أفرطوا في التوقعات الإيجابية وسبقوا الحريري في اندفاعتهم، معربة عن اعتقادها أن أحد أهداف هذا الضخ السياسي ـ الإعلامي هو إحراج رئيس «المستقبل» وحشره لدفعه الى الإسراع في حسم موقفه، تحت طائلة تحميله مسؤولية إجهاض الفرصة الحالية إذا لم يستكمل استدارته نحو الرابية.
خطاب.. رئاسي!
في هذا الوقت، استكمل عون من منبر إحياء ذكرى 13 تشرين الأول، ما بدأه في مقابلته التلفزيونية الأخيرة من انفتاح على جميع الأطراف وطمأنة لها، فكان خطابه الهادئ والمدروس رئاسيا بامتياز، وخاليا من «دهون التعبئة»، علما أن الوزير جبران باسيل مهّد له الطريق، عبر كلمته التي تضمنت رفضاً لأي تفاهم ثنائي أو ثلاثي أو رباعي، مؤكدا الحاجة الى تفاهمات وطنية، في رسالة واضحة الى أصحاب المخاوف من صفقة ما، جرى أو يجري ترتيبها بين عون والحريري، تحت الطاولة.
وعليه، فقد بدا احتفال أمس على طريق قصر بعبدا، بحضور الآلاف من مناصري التيار، مضبوط الإيقاع السياسي، ومحكوماً بسقف الانتظار، فيما كان لافتاً للانتباه أن «الجنرال» تجنّب الظهور المباشر من مكان الاحتفال وأطل عبر شاشة عملاقة من الرابية، لأسباب أمنية.
وأكد عون أن «بناء الوطن أول ما يكون باحترام الدستور والميثاق والقوانين، والمشاركة المضمونة والمتوازنة لكل الطوائف من دون كيدية أو عزل أو قهر».