بدا ان الدول غير مهتمة بالانتخابات الرئاسية في لبنان وبعد ان جاءت الضمانة الاميركية - الروسية -الاوروبية بأن الرئىس بشار الاسد باق في الحكم رئيساً للجمهورية وبأن الانتصارات التي حققها بدعم روسي، خصوصاً في حلب هي التي جاءت بالضوء الاخضر لانتخاب رئىس للجمهورية في لبنان.
وبعد سنتين ونصف على الفراغ الرئاسي، راهن كثيرون ان حزب الله يناور ولا يريد رئىسا للجمهورية ولا يريد انتخابات رئاسية، وقد خاب ظن هؤلاء لأن الانتخابات الرئاسية ستجري في 31/10/2016 وسينزل النواب الى المجلس النيابي وسيصوتون للعماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، بعد ان يعلن الرئىس سعد الحريري  خلال فترة وجيزة تأييده وكتلة المستقبل للعماد ميشال عون، وقد بدأت التحضيرات لاعلان هذا القرار وهكذا سيكون العماد عون رئىساً للجمهورية بأكثرية تفوق الـ 75 صوتا. النائب سليمان فرنجية سيستمر بترشيحه، اما كتلة الرئىس نبيه بري فستؤيد العماد عون وكذلك كتلة الحزب السوري القومي الاجتماعي التي بايعت الوزير فرنجية كمرشح لرئاسة الجمهورية والتصويت له، ستعود عن قرارها وتبايع العماد عون، كذلك كتلة اللقاء الديموقراطي برئاسة النائب وليد جنبلاط والتكتل المستقل الذي يرأسه العماد ميشال عون ويضم 29 نائبا فإنه سيؤيد حتما العماد عون. لذلك وبعد سنتين ونصف من فراغ رئاسي واستمرار الدولة من دون رئىس للجمهورية، سيجري انتخاب الرئىس في 31/10/2016 وسيكون العماد عون رئىسا للجمهورية، وستكون المرحلة المقبلة مطبوعة بعلاقة جيدة بين العماد عون والرئىس سعد الحريري وسيكون الرئيس نبيه بري مع النائب وليد جنبلاط ميزان العلاقة وتصويبها في حال جنح العماد عون ضد الرئىس سعد الحريري كما كان يفعل الرئيس اميل لحود عندما كان يستقوي بالسوري على الرئيس الشهيد رفيق الحريري ويلزمه بقرارات لا يريدها الرئيس الشهيد.
اما انسانياً فطباع العماد ميشال عون هادئة ولينة وانسانية، وهو محب، وتتلاقى مع طباع الرئيس سعد الحريري الهادئة وهو انسان محب ايضا ولين و«يأخذ ويعطي» وسيتفاهمان على طريقة ادارة الحكم، لكن الرئيس بري والنائب جنبلاط سيكونان «بيضة القبان» لمنع حصول اي خلاف بين العماد عون والرئيس الحريري، فيما حزب الله لن يدخل اللعبة السياسية الداخلية وسيترك ادارة اللعبة والدور الاكبر في الواجهة السياسية للرئيس بري.
الرئىس الحريري الموجود في باريس جمع نواب كتلته وابلغهم فردا فردا ضرورة السير بالعماد عون وان معركة طرابلس اضعفت تيار المستقبل السني في لبنان، والانتخابات النيابية في ايار 2017 ستأتي بنتيجة سيئة على تيار المستقبل، اذا لم يأت الحريري رئىساً للحكومة واستنهاض قاعدته السنية و«المستقبل» خلال ستة اشهر للقيام بحملة سياسية للحفاظ على التمثيل النيابي للمستقبل في ضوء خروج نواب من الكتلة ولهم الوزن البارز، كالوزير اشرف ريفي صاحب الحضور القوي في طرابلس والشمال وله انصاره ومؤيدوه، بالاضافة الى خروج النائب خالد ضاهر عن موقف الحريري في عكار وهو صاحب الشعبية الكبرى ايضا وسيتعاون النائب احمد فتفت معهما ويسيطرون عندها على عكار والضنية والمنية وطرابلس والقلمون. هذا بالاضافة الى حصول معارك في القطاع الاوسط في زحلة، حيث الوجود السني كبير جدا، اضافة الى معارك في صيدا. في حين ان تأييد الحريري للعماد عون سيجعله يخسر شعبية سنية وهناك نسبة كبيرة من الطائفة السنية يعتبرون العماد عون محسوبا على حزب الله وبالتالي لن يقبلوا بوصوله في ظل موقف هؤلاء السلبي من حزب الله. ولا يمكن للرئىس الحريري الا من خلال رئاسة الحكومة وادارات الدولة والمشاريع والانماء والهيئة العليا للاغاثة، استعادة القسم الاكبر من الجمهور السني في لبنان والحفاظ على قوة تيار المستقبل لمواجهة خصومه في الطائفة السنية.
الرئيس الحريري الموجود في باريس استقبل الوزير علي حسن خليل موفدا من الرئىس نبيه بري للتفاهم على الانتخابات الرئاسية وحصول الجلسة في 31/10/2016 بعدما كان البعض طالب بتقديمها وحصولها الاسبوع المقبل.
هنالك نقطة حساسة اخرى تتعلق بالتمديد الذي حصل لقائد الجيش العماد جان قهوجي ومعارضة العماد عون لذلك. وقد يلجأ العماد عون فور انتخابه رئىساً للجمهورية على قطع التمديد للعماد قهوجي وتكليف ضابط لقيادة الجيش الى حين تشكل الحكومة على اساس ان التمديد جاء استنادا الى قانون الدفاع العسكري والذي ينص «في الحالات الاستثنائىة وفي حالات الحرب وغياب رئيس الجمهورية، يمكن التمديد لاي مسؤول مدني او عسكري في مركزه»، وعلى هذا الاساس تم التمديد للعماد قهوجي. والعماد عون اذا تم انتخابه فإن الظروف الاستثنائىة تكون قد زالت ولا بد من تعيين او تكليف ضابط لقيادة الجيش اذا تعذر التعيين حتى تشكل الحكومة واعفاء العماد قهوجي من مركزه. لكن الرئىس نبيه بري وحزب الله والنائب سليمان فرنجية والنائب وليد جنبلاط وكتل اخرى يرفضون المس بقائد الجيش في هذه المرحلة الراهنة، اضافة الى ان اميركا وايطاليا وبريطانيا وفرنسا ترفض تغيير قائد الجيش في ظل ما يقوم به من مكافحة الارهاب في لبنان، حيث قاد العماد قهوجي المعركة ضد الارهاب بشراسة ومهارة، لكن لا شك انه بعد انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية في 31/10/2016 فإن التعايش لن يحصل بين العمادين عون وقهوجي.
وعلى الصعيد الاقليمي وافقت السعودية على العماد عون بشخص ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان ووافقت ايران وسوريا وحزب الله على الحريري بشخص سماحة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وهكذا تم الاتفاق الاول وهو تفاهم غير مباشر بين ايران والسعودية على وصول العماد عون رئىسا للجمهورية والحريري رئيساً للحكومة.
سيتوج العماد ميشال عون نضاله بانتخابه رئىسا للجمهورية ولا شك ان وصوله للرئاسة سيشكل ظاهرة بأن رجلا ناضل حتى عمر 81 سنة ليصل رئىسا للجمهورية ويجعل البلاد تنتظر سنتين ونصفاً. وهو الذي عرقل تشكيل الحكومة لمدة 8 اشهر حتى جاء بجبران باسيل وزيرا. وربما كان تشكيل حكومة العهد الاولى بحاجة لفترة انتظار اخرى للتوافق على توزيع الوزارات.
اما الدول فغير مهتمة بلبنان، والمرحلة المقبلة مليئة بالمفاجآت كون الامور لن تكون بسيطة بل معقدة سياسيا، اضافة الى مفاجآت امنية.
صَبَرَ العماد ميشال عون حتى وصل الى الرئاسة وفي 13 تشرين الاول 1989 ترك قصر بعبدا إثر الدخول السوري معارضاً لاتفاق الطائف. وبعد 27 سنة يعود العماد عون الى بعبدا مع الطائف بعد ان اعلن الموافقة على بنوده خلال مقابلته التلفزيونية الاخيرة، متعهدا عدم المس به.
يبقى التفاؤل والأمل بأن يتوج الحراك الحاصل بالاتفاق على انتخاب رئىس للجمهورية اياً يكن وما على اللبنانيين الا انتظار الايام المقبلة.