تجدد الجدل بين حكومتي تركيا والعراق نهاية سبتمبر الماضي، بشأن انتشار قوات عسكرية تركية في معسكر "بعيشقه"، استعداداً للمشاركة في تحرير مدينة الموصل من تنظيم داعش الإرهابي. وقد ترددت في الإعلام التركي أنباء عن اقتراب شن تركيا عملية عسكرية على الموصل، ولكن يبقى لأنقرة دافع قوي أو ذريعة لتمهيد المناخ الدولي لهذه العملية.

وسريعاً نجد أنفسنا أمام هذا الدافع، المتمثل في  شن تنظيم داعش هجوماً على القاعدة العسكرية التركية في بعيشقه شمالي الموصل العراقية، الأحد 9 أكتوبر الجاري، وهذا ما دفع القوات التركية المتمركزة إلى الرد المباشر وتدمير طائرة من دون طيار، وبعض مواقع المدفعية التابعة للتنظيم. فقد يكون هذا الهجوم وهجمات مماثلة مرتقبة "مفتاح" عملية الموصل على غرار تفجيرات داعش في مدينتي غازي عنتاب وشانلي أورفا جنوبي تركيا الصيف الماضي، والتي كانت "مفتاح" عملية "درع الفرات" التركية العسكرية الراهنة شمالي سوريا.

وكشف مسؤولو تركيا خلال الأيام الماضية عبر تصريحاتهم مدى إصرارهم على المشاركة في العمل العسكري لتحرير مدينة الموصل. لكن متى تبدأ العملية العسكرية التركية في الموصل؟ وما هي خطة الحرب المرتقبة؟ وما هي الدوافع الحقيقية للانتشار في الموصل العراقية؟ وما هي الحجج والدوافع التي تمتلكها أنقرة لتعزيز موقفها أمام المجتمع العالمي ومجلس الأمن؟ كذلك، ما هي أهمية الموصل بالنسبة للجانب التركي؟ كل هذه الأسئلة تناولتها وسائل الإعلام التركية، وأجاب عنها مختصون أتراك.

خطة الحرب

كشف موقع "هبر7" تحت عنوان " ها هي الخطة التركية في الموصل " عن تفاصيل العملية العسكرية التركية المرتقب تنفيذها لدخول مدينة الموصل. وذكر الموقع أن تركيا ستبدأ العملية العسكرية قريباً بعد حصولها على موافقة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود برزاني، دون الحاجة إلى إذن الحكومة العراقية أو الإدارة الأمريكية.

وقال الصحافي التركي بموقع " هبرتك " محرم صاريقايا، إن وزير الدفاع التركي فكري إشيق، دون الخوض في أي تفاصيل، أكد حتمية عملية الموصل، قائلاً: "سننفذ حتماً عملية الموصل، وسنذهب حتى مدينة الباب في سوريا".

وأوضح صاريقايا أن "العملية ستشارك فيها القوات التركية المقدر عددها بنحو 2000 في شمالي العراق، من بينهم 500 بمعسكر بعيشقه، بجانب القوات المدنية التي تم تدريبها على يد مدربين أتراك، وعدد أفرادها نحو 2000 من البيشمركة المقرر مشاركتهم في العمليات البرية، و3000 من الحشد الوطني، وهم عناصر سنية تابعة لوالي الموصل السابق".

موعد العملية

أوضح رئيس وزراء كردستان العراق نيجيرفان بارزاني، أنه من المرتقب بدء تركيا عملاً عسكرياً في الموصل قريباً، بالتزامن مع تردد أنباء غير مؤكدة في الإعلام التركي عن بدء هذه العملية في نهاية شهر أكتوبر الجاري، بينما أكد موقع " هبر 7" أن العملية المرتقبة ستبدأ بعد 20 أكتوبر الجاري.

دوافع عملية الموصل

هناك الكثير من الأسباب والدوافع المعلنة التي تضمنتها تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس حكومته بن علي يلدريم، وعدد من الخبراء والمختصين الأتراك، وأهمها ثلاثة:

الحفاظ على التركيبة السكانية لمدينة الموصل ضد أطماع الشيعة، والمتمثلة في قوات الحشد الشعبي المدعوم من إيران والحكومة العراقية. إذ أكد أردوغان مطلع الشهر الجاري في لقاء تلفزيوني بقناة "روتانا خليجية"، أن القوات التركية ستقوم بدورها للحفاظ على التركيبة السكانية للمدينة، وعودة أهلها من السنة العرب والسنة التركمان والسنة الكرد بعد تحريرها من داعش.

الأحقية التاريخية

يتمثل ثاني هذه الأسباب في الإرث التاريخي العثماني، وهو مدينة الموصل، التي كانت تابعة لتركيا طوال 4 قرون حتى الحرب العالمية الأولى، إذ فقدتها تركيا عقب توقيع معاهدة لوزان عام 1923، واتفاقية أنقرة عام 1926.

الأمن التركي

  قال  الكاتب التركي سنان برهان: "الأمن التركي يبدأ من بعيشقه"، مشيراً إلى أن تأمين الداخل التركي يعتمد على تأمين امتداده الإقليمي سواء في سوريا أو العراق، اللتين تشهدان حرباً بالوكالة حالياً، إذ تحارب التنظيمات الإرهابية نيابة عن بعض الدول، مثل داعش والعمال الكردستاني وقوات الاتحاد الديمقراطي، الذين يحاربون في سوريا والعراق، تحت رعاية إيران وروسيا والولايات المتحدة.

شرعية العملية

تمتلك تركيا ست حجج تمنحها الشرعية الدولية إزاء أي عمل عسكري مرتقب لقواتها في العراق، بحسب ما يفيد موقع "تايم تركيا"، الذي يؤكد أحقية تركيا في التدخل العسكري بمدينة الموصل، والدائر حوله صراع راهن بين حكومتي بغداد وأنقرة، بلغ إلى مجلس الأمن في أكتوبر الجاري، متمثلاً في شكوى الحكومة العراقية ضد أنقرة إزاء الوجود العسكري للأخيرة داخل أراضيها. وتتمثل  الحجج الست في:

تركيا أحد أطراف التحالف الدولي ضد داعش، ويحق لها الانتشار العسكري في العراق بهدف محاربة داعش دون الحصول على موافقة بغداد، مثلها في ذلك مثل دول التحالف الموجودة في سوريا حالياً دون الحصول على موافقة بشار الأسد.

تركيا شاركت في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في سوريا والعراق بناءً على دعوة مجلس الأمن لها عام 2015.

مجلس الأمن يعترف بكون تركيا إحدى الدول المتضررة من إرهاب داعش، الذي استهدف المدن التركية وحدودها الجنوبية خلال العامين الماضيين، ما أودى بحياة العشرات من الأتراك.

وفقاً لاتفاقية أنقرة 1926 ومعاهدة لوزان 1923، يحق لتركيا تأمين حدودها بالتدخل العسكري في العراق أو سوريا، خصوصاً أن الاتفاقية تمنح تركيا الحق في المشاركة في أي قرارات تخص استقرار أو انفصال أو الحكم الذاتي لمدينتي الموصل وكركوك بالعراق.

القوات التركية انتشرت في معسكر بعيشقه، بناءً على خطاب مكتوب رسمي من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي شخصياً.

لتركيا الحق في العمل العسكري ضد التنظيمات الإرهابية مثل داعش والعمال الكردستاني في سوريا أو العراق دون الحاجة إلى موافقة أو إذن مسبق، على غرار العملية العسكرية التي تجريها في شمالي سوريا (درع الفرات).

أهمية الموصل

"تركيا أولى بالموصل... وليس العراق"، تحت هذا العنوان أكدت صحيفة "يني عقد" الموالية للحكومة التركية، على أحقية تركيا في مدينة الموصل، التي يسيطر عليها داعش دون إطلاق القوات العراقية طلقة واحدة للدفاع عنها.

وأشارت الصحيفة إلى أن الأحقية في الانتشار العسكري التركي في العراق، وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يتيح للدول استخدام القوى لمحاربة الإرهاب الدولي وحق الدفاع المشروع لتأمين الحدود.

وانتقد الرئيس التركي  أردوغان في خطاب ألقاه بقصره الرئاسي نهاية سبتمبر الماضي، معاهدة لوزان ومُوقّعيها من الجانب التركي. مؤكداً على الحقوق التاريخية والدولية لتركيا في الشريط الممتد من حلب حتى الموصل. وتعقيباً عليه، قال البروفيسور التركي المتخصص في العلاقات الدولية مصطفى صدقي بيلجين: عندما تخلت تركيا عن الموصل للعراق كان الأمر مشروطاً بعدم تغيير حدودها أو وضعها آنذاك، وهو ما تغير خلال العقود الماضية".

ويذكر التاريخ أن مدينة الموصل خضعت للسيطرة العثمانية عام 1534 في عهد سليمان القانوني، حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، إذ أصبحت مطمعاً للدول الغربية خصوصاً بعد اكتشاف النفط، فاستولت عليها فرنسا ثم بريطانيا. ومع توقيع تركيا على معاهدة لوزان واتفاقية أنقرة، تخلت أنقرة عن الموصل بعد تقليص مساحة أراضيها.

وقال الكاتب الصحافي التركي أحمد يوزجات لرصيف22: "لم نستطع الحفاظ على الموصل، فخلال الجولة الأولى من مباحثات المعاهدة، أصرت الدول الموقعة على عدم تضمين الموصل بالمعاهدة، وهو ما رفضه الوفد التركي، الذي طالب بالميثاق الوطني وعاد إلى أنقرة. وخلال الجولة الثانية من المباحثات، وافقت تركيا على خروج الموصل من المعاهدة إثر ضغوط غربية. وبعد فترة، جرت مباحثات جديدة بين تركيا وبريطانيا، وتم الاتفاق على أحقية تركيا في استغلال 10% من بترول الموصل، وهذا لم يحدث حتى الآن. فبريطانيا لم تحافظ على تعهدها بهذا الشأن، وعليه يمكننا القول إن مسألة الموصل أصبحت هباء، وتتردد من حين لآخر بعض الادعاءات بشأن دفع بريطانيا نحو 500 ألف ليرة إلى أنقرة مقابل نصيبها من بترول الموصل في بعض الفترات السابقة، وهذا الأمر لا أرجحه شخصياً".

وتقضي اتفاقية أنقرة الموقعة بين تركيا وبريطانيا والعراق عام 1926، بشأن الخلاف على سيادة الموصل، بتبعية المدينة إلى العراق وترسيم الحدود بين البلدين آنذاك، على أن تحصل تركيا على نسبة من عائدات نفطها لمدة 25 عاماً، وهذا ما تنفيه أنقرة، في إشارة إلى حقها في استرداد أحقيتها في الموصل. كما تمنح الاتفاقية تركيا حق التدخل العسكري في الموصل، لحماية الأقلية التركمانية لدى تعرضها لأي اعتداء.

وأشار أستاذ شؤون الشرق الأوسط البروفيسور  أوميد أزداغ ، إلى رغبة تركيا في استعادة مدينة الموصل. وقال: "انفصال الموصل عن العراق وخروجها عن سيطرة الحكومة العراقية ينعش آمال أنقرة في استرداد حقها التاريخي في السيطرة على المدينة".

أزمة متجددة

الأزمة الراهنة الدائرة بين حكومتي أنقرة وبغداد ليست وليدة اليوم، بل تعد موجة ثانية للأزمة التي اندلعت في مطلع ديسمبر 2015. إذ أرسلت تركيا كتيبة عسكرية تجاوز تعدادها 500 عسكري، مدعومة بنحو 25 دبابة إلى شمالي العراق، تحت مسمى تدريب القوات العراقية. وعليه طالبت بغداد الجانب التركي "الانسحاب الفوري من الأراضي العراقية والحفاظ على حسن الجوار"، مهددة باللجوء إلى مجلس الأمن، وانتهت الأزمة آنذاك بالتدخل المباشر للرئيس الأمريكي الذي أقنع نظيره التركي بالانسحاب نهاية ديسمبر الماضي.

وتجددت الأزمة بعد تصويت البرلمان التركي بالموافقة على تمديد مهمات القوات العسكرية التركية في سوريا والعراق لمدة عام. تبعه تبادل استدعاء سفيري البلدين، وتصريحات شديدة اللهجة من الجانبين، انتهت بتقديم شكوى رسمية ضد أنقرة إلى مجلس الأمن لم يتم بتّها حتى اللحظة.

 

مجدي سمير - رصيف 22