نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا للكاتبة إريكا سولومون، تقول فيه إن العراقيين يتقاتلون فيما بينهم، والتحضيرات على أشدها؛ لاستعادة مدينة الموصل من تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يسيطر عليها منذ عامين ونصف.


وتقول الكاتبة إن "النخبة السياسية، التي جاءت بعد الغزو الأمريكي عام 2003، ظلت تتقاتل فيما بينها، خاصة المكونات الرئيسية: السنة، والشيعة، والأكراد، واعتاد العراقيون على خلافاتها، وظلت الخلافات محصورة بين طائفة وأخرى، إلا أنها اليوم انتقلت للكتلة ذاتها، حيث أصبحت كل كتلة تتنافس فيما بينها، وتتحالف مع الأخرى، لتحقيق مصالح آنية، كما تحالفت أطراف سنية مع شيعية أخرى للتخلص من وزير الدفاع السني خالد العبيدي، ومثلما فعلت أطراف كردية ضد وزير المالية هوشيار الزيباري، الذي لم يدعمه أكراد في معركته مع البرلمان".

وتضيف سولومون في تقريرها أنه "في الوقت الذي يرى فيه سياسيون عراقيون في التطورات جانبا إيجابيا، وأنها بدأت تتجاوز الطائفية، إلا أن آخرين يرون فيها تحالفات وتكتيكات سياسية آنية لتصفية الحسابات".

ويشير التقرير إلى أن الاقتتال الداخلي يدور في وقت تكافح فيه بغداد لاستعادة المناطق الخارجة عن سيطرتها من تنظيم الدولة، وتحضر قواتها للهجوم على مدينة الموصل، ومعالجة الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تراجع أسعار النفط، لافتا إلى أن نائبا شيعيا معارضا لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، قال إن "من أهم التحديات التي تواجه هذا البلد هي الخلافات الشيعية الشيعية، والسنية السنية، والكردية الكردية التي ستحدث"، وأضاف: "المعركة القادمة ستأتي سريعا".

وتعلق الصحيفة قائلة إن "الكتل السياسية والطائفية كلها قامت ببناء مليشياتها الخاصة عندما بدأت التعبئة ضد تنظيم الدولة، وهناك مخاوف من أن يقود وجودها إلى اقتتال داخلي بين الجماعات المختلفة، مثل السنة والشيعة والأكراد، حيث يحاول كل طرف بناء قاعدة دعم له في المجتمعات التي يعمل في داخلها، ويؤثر الخلاف في جهود بناء تحالفات سياسية وعسكرية متماسكة، خاصة أن رعاة العراق الأمريكيين والإيرانيين لهم مصلحة في قيام حكومة قوية؛ للحفاظ على مصالحهم".

وتنقل الكاتبة عن المحلل في المجلس الأطلسي رمزي مارديني، قوله: "بدلا من توحيد البلد، وبناء جهاز تنفيذي قوي ضد تنظيم الدولة، فإن الحرب ضد تنظيم الدولة مزقت العراق على مستويات المجتمع والدولة كلها"، وأضاف مارديني: "سيتراجع نفوذ الولايات المتحدة بشكل أكبر عندما ستجد نفسها تتعامل مع لاعبين سياسيين كثر على الساحة السياسية".

ويلفت التقرير إلى أن الاضطرابات بدأت عندما حاول العبادي تطبيق عدد من الإصلاحات لتخفيف حدة الحنق الشعبي ضد الطبقة السياسية الفاسدة، ليجد أن جهوده أفشلت؛ لخوف الساسة من خسارة تأثيرهم السياسي.

وتنوه الصحيفة إلى أن العبادي يحمل سلفه نوري المالكي، الذي يحاول العودة من جديد إلى الساحة السياسية، مسؤولية استشراء الفساد، لافتة إلى أن العبادي تولى السلطة في عام 2014، بعد الهزيمة المهينة للجيش العراقي أمام مقاتلي تنظيم الدولة، الذي سيطر على الموصل والفلوجة.

وتتحدث سولومون عن مشكلات السياسيين، التي تركزت في البرلمان، حيث اقتحم نواب معارضون للعبادي البرلمان واعتصموا فيه في نيسان/ أبريل، وفتح معارضو العبادي في الشهر الماضي تحقيقات ضد حلفائه، وعزلوا وزير الدفاع خالد العبيدي، وجاء الدور بعده على وزير المالية هوشيار الزيباري، مشيرة إلى أنهما منصبان مهمان للحملة الجارية ضد تنظيم الدولة، ولا يزالان شاغرين.

ويفيد التقرير بأن التشرذم السياسي يضرب أبعد من بغداد، وهو ما يهدد النظام السياسي العراقي في المستقبل، في مناطق عانت من الفوضى والاضطرابات السياسية، ففي الأنبار تهدد العشائر بالانتقام من منافسيها، الذين تتهمهم بالتحالف مع تنظيم الدولة، مع أن هذه المزاعم لم يتم التحقق منها، فيما يحاول لاعبون محليون استغلال الاضطرابات، وتعزيز موقعهم القيادي.

وتورد الصحيفة نقلا عن الشيخ عبد الوهاب البيلاوي، وهو أحد شيوخ الأنبار، قوله: "لدينا تسع قبائل في الأنبار قامت بالتبرؤ من شيوخها، ولو سمحت الحكومة لهم بالدخول، فإن هذا سيقود بالتأكيد إلى اقتتال قبلي"، لافتة إلى أن الانقسام بدا واضحا حتى بين الأقليات الصغيرة، ففي كردستان العراق، انقسم الأزيديون بشأن التحالف مع الأكراد، وتأتي خلافاتهم بعدما واجهوا القتل والتشريد على يد تنظيم الدولة، ويقول عامل إغاثة: "لا يتوقف الأمر عند تشرذمنا أكثر من الماضي، لكن التشرذم لا يمكن السيطرة عليه".

وتخلص "فايننشال تايمز" إلى القول إنه "رغم هذا كله، فإن الكثير من السياسيين العراقيين يبدون غير آبهين بمخاطر الانقسام، ففي نقاش مع سياسي سني، استعاد بنوع من الفرح الدور الذي أداه هو وزملاؤه للإطاحة بالعبيدي، وضحك عندما سألته عن مواقف الناخب العراقي، وأجاب أنهم مهتمون بالانتخابات، مشيرا إلى أن ذاكرة العراقيين قصيرة".

(فايننشال تايمز ـ عربي 21)