ماذا نستفيد ونستلهم من فكرة الوحدة بين المسلمين والتي تستوقفنا اليوم من جديد في رحاب ذكرى ولادة النبي الأكرم محمد (ص) ، كما تستوقفنا أكثر فأكثر في هذه المرحلة التي يمر فيها عالمنا الإسلامي والعربي بأحداث جسام تجعل هذه الفترة من أحرج الفترات في تاريخ أمتنا الإسلامية ، خصوصاً وأن في هذه الأحداث ما يدفع المسلم المخلص الى كثير من التشاؤم أحياناً. 
لأنّنا في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخنا السياسي نواجه اليوم ليس عدوّاً مكشوفاً ظاهراً للعيان فحسب، وإنّما نواجه أمماً من العالم الشرقي والغربي تتكالب علينا بالمكر كلّه وبالخبث والدهاء لتمزّقنا وتقتلع الواحد منّا من رسالته وأمته وهويته، كأشدّ ما يكون التمزيق شراً ولؤماً وحقداً . 
والإجابة المطروحة: أنّ علينا أن نستفيد من أجواء هذه الذكرى الإسلامية العامة ومن لقاءاتنا ومشاركاتنا لنعمّق علاقاتنا كمسلمين ومؤمنين على أساس المحبّة والإيمان . 
والطريقة العمليّة لتوثيق علاقاتنا هي المؤاخاة، بمعنى أن يشعر كلّ واحد منّا أنّه أخ للآخر، وأنّه لا فرق بينه وبين أخيه في العقيدة والهدف والمصير، وأن نتفهم بطريقة علمية وعمليّة وإنسانيّة كلّ خلافاتنا الفقهية عندما نختلف، لنكون مجتمعاً واحداً متضامناً متآلفاً ومتعاوناً ومتماسكاً لمواجهة الاستحقاقات الخطيرة والتحدّيات الكبرى، وأن لا تطغى روح الأنانيّة في تفكيرنا وممارساتنا فيحاول أحدنا أن يُلغي الآخر، أو أن يكفّر الآخر ، أو أن يلزم الآخر بلوازم ثابتة لديه وغير ثابتة لدى الآخر . بل لابدّ من فهم الآخر وفهم خصوصيّاته التي قد تجعله خصماً ولكنّها بالتأكيد لا تجعله عدواً ، والتي قد تعكس خلافاً ولكنها بالتأكيد لا تجعل هذا الخلاف سبباً للعداوة والبغضاء .والغرض هو تبديل التباعد والتضارب بالإخاء والتقارب ، وتبديل التحسس والتأزم من الخلاف الفكري أو الفقهي بروحية الإنصاف ووعي الإختلاف ، ولن يتحقق أي تقارب أو تفاهم بين المسلمين دون تدارس مسائل الخلاف والبحث عن منشئها ثم المبادرة الى علاجها ولا أقصد بعلاجها أن نلغيها أو نغلقها لصالح فريق على حساب فريق وإنما المقصود تأطيرها بإطار البحث المعرفي بعيدا عن الإرهاب الفكري والتأزم من تعدد الرؤى ،فإن أبشع ما في العقل الإسلامي الديني المستبد أنه ينتزع لنفسه صفة الشرعية ولغيره صـفة الزور وأنه الحق وغيره الباطل وأنه الهدى وغيره الضلال ..
( مقتطف من مقال "الوحدة الإسلامية وتحديات المرحلة / نظرة في المرتكزات العملية والشروط الموضوعية " للشيخ عباس أحمد شحادي )