تحوّلت جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في 28 أيلول إلى ما يشبه «خبريّة راجح»، إذ انهمكت الأروقة السياسية والإعلامية بنوع من التسريبات والتوقعات التي تنتظر قرار الرئيس سعد الحريري العائد أمس الأول إلى لبنان، حول ما إذا كان سيعطي «كلمة السرّ» لانتخاب رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية أو الاستمرار في ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية. لكنّ عودة الحريري «الصامتة» أطلقت موجة من التوقعات والتساؤلات، في ظل تصميم «التيار الوطني الحر» على برنامجه التصعيدي، فيما تبدو روزنامة الحركة السياسية اللبنانية متخمة بالإستحقاقات السياسية والمطلبية أهمها جلسة انتخاب الرئيس الأربعاء المقبل، يليها احتمال انعقاد جلسة لمجلس الوزراء، إضافة إلى التمديد لقائد الجيش اللبناني جان قهوجي.
على إيقاع ما يحصل في سوريا وتحديداً التصعيد العسكري في حلب وانعقاد جلسة طارئة لمجلس الأمن بناء على طلب بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وقبل يومين على موعد الجلسة الخامسة والأربعين لانتخاب رئيس الجمهورية بعد غد، شكّلت عودة الحريري مناسبة قد تتّضِح من خلالها المواقف من الإستحقاق بعدما تعددت الروايات والسيناريوهات التي تحدثت عن اقترابه من التراجع عن ترشيحه لفرنجية لمصلحة عون على رغم من بيانات النفي والتوضيح التي صدرت عن قياديين في «المستقبل» عقب بيان كتلته النيابية الثلثاء الماضي الذي أكد المضيّ في ترشيح فرنجية وعدم وجود أي قرار بالإقتراب من عون.

وبعد عودة الحريري قالت مصادر «المستقبل» لـ»الجمهورية» انّ هذه العودة «كانت مرتقبة ولم تفاجىء أحداً وانّ التسريبات التي انتشرت في الأيام الأخيرة انتهت فاعليتها، والأيام المقبلة ستأتي بالوقائع التي لا تتحمّل التأويل».

واستبعدت هذه المصادر ان تكون للحريري ايّ جولات سياسية، مترقبة لقاءات حزبية ولمجموعة من الأصدقاء في «بيت الوسط» ومشروع زيارة لرئيس مجلس النواب نبيه بري التي لا بد منها في انتظار اجتماع كتلة «المستقبل» غداً وما يمكن ان تشهده لقاءات ساحة النجمة في جلسة 28 أيلول، والتي ستضاف الى لائحة الجلسات السابقة.

واللافت انه لم يعلن عن ايّ لقاءات او استقبالات للحريري منذ عودته وحتى مساء أمس خارج إطار فريق المستشارين وبعض الأصدقاء وافراد العائلة، ولم يُكشف عن برنامجه للأيام المقبلة.

وعلمت «الجمهورية» انّ الحريري سيجري جولة مشاورات تشمل الى بري، فرنجية ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع والرئيس امين الجميّل، على أن ينهيها باجتماع مع كتلته النيابية ليبني على الشيء مقتضاه. وإذ رجّح البعض ان يلتقي عون ضمن هذه المشاروات، إستبعد بعض اصدقاء «بيت الوسط» حصول مثل هذا اللقاء، ما لم يتبلور موقف إقليمي ما يشتمّ منه تأييد ترشيح عون.

لكنّ احد النواب «المستقبليين» رجّح ان يكون مصير جلسة الانتخاب يوم الاربعاء كسابقاتها، مشيراً الى انّ الحريري سيلتقي بري وفرنجية، على ان تدعى طاولة الحوار الى جلسة قريباً في عين التينة يشارك فيها عون وفرنجية ويكون على جدول اعمالها موضوع الاتفاق على رئيس للجمهورية وهو أساساً البند الاول في هذا الجدول منذ ان انطلق الحوار.

واللافت في هذا المجال انّ الحريري عاد الى بيروت من طريق باريس وليس من الرياض، فيما تردّد انّ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط أوفد الوزير وائل ابو فاعور الى العاصمة السعودية للتشاور مع القيادة السعودية في الشأن الرئاسي اللبناني.

مناخات رمادية

وسجّل المراقبون أمس عدم تصاعد مؤشرات إيجابية أو سلبية من «بيت الوسط»، حتى أنّ الأجواء المحيطة بالحريري لم توحِ بإيجابيات. وعلّق أحد السياسيين في هذا السياق قائلاً: «جرت العادة في لبنان على أنّ كل إيجابية أو سلبية تسبقها عادة مناخاتها.

وبالتالي، فإنّ المناخات القائمة هي مناخات رمادية». في حين قال بعض المطّلعين نقلاً عن الحريري عندما سألوه عن الموقف من عون «إنه لا يمانع في ترشيح عون». إلّا أنّ أيّاً من المصادر المحيطة بالحريري لم تؤكد هذا الكلام أو تنفيه.

ولفتت المصادر الى انّ المشاورات التي قد يجريها الحريري لن تكون ضمن مدى قصير، بل ستكون ضمن مدى طويل وسيكون الاساس فيها، وربما الحلقة الاصعب، داخل تيار «المستقبل» ومع فرنجية.

بري

وفي انتظار اللقاء المنتظر بينه وبين الحريري، قال برّي أمام زواره أمس: «لا أرى جديداً في ملف الاستحقاق الرئاسي وليست هناك أي مستجدات والوضع على حاله».

وقيل لبرّي إنّ هناك من يقول إنّ طبخة رئاسة الجمهورية تتم بمعزل عنك، فأجاب: «لذلك لا يأكلون». وأضاف: «لا بد من الوصول الى تفاهمات مسبقة. مرشّحي للرئاسة هو السلة، مرشّحي هو التفاهمات المسبقة على الرئيس والحكومة ورئيسها وقانون الانتخاب وفق جدول أعمال الحوار، وما لن نصل الى هذه التفاهمات هناك من يقول بانتخاب رئيس بمعزل عنها، إن انتخبناه معناه أننا صلبناه».

وحول قانون الانتخاب، كرّر بري الدعوة الى قانون عادل، مستغرباً «قول بعض الأطراف عكس ما يضمرونه، إذ انهم يرفضون قانون الستين في السر ويعملون له في الخفاء عبر الإصرار على منع التوصّل الى قانون جديد».

ورداً على سؤال، قال بري إنّ «البعض يمارس الهرطقة في طرح مشاريع قوانين انتخابية والتصويت عليها».

وعن قول البعض انّ مشروع القانون الأرثوذكسي ما زال حياً، قال برّي: «لقد بحث في هذا المشروع في الهيئة العامة لمجلس النواب وانتهى الأمر».

فتفت

من جهته، أكد عضو كتلة «المستقبل» النائب احمد فتفت لـ«الجمهورية» أن «لا رئيس من بين الأقطاب الأربعة»، مشيراً الى أن «لا جديد في الملف الرئاسي، والرئيس سعد الحريري ما زال في فترة استكمال الإستشارات مع كل الأطراف على المستوى الوطني، تمهيداً لاتخاذه القرار المناسب». ورأى أنّ صمت الحريري «دليل على أن لا قرار نهائياً لديه بعد»، متمنياً أن «يكون في جعبته حلّ جدّي لملف الرئاسة».

وعن حقيقة انعقاد اللقاء بين الوزير جبران باسيل ونادر الحريري، اكتفى فتفت بنفي حصول أي لقاء بين باسيل والرئيس سعد الحريري، مُبدياً عدم استبعاده أيّ اجتماع بين باسيل ونادر الحريري، «فالأمر ليس مستغرباً، إذ إننا نلتقي كل الأطراف».

التيار الوطني الحر

وعلمت «الجمهورية» من مصادر «التيار الوطني الحر» انّ الإتصالات السياسية مع الحريري محصورة بشخصين هما على اطلاع على كلّ ما يحصل ويعلمان التفاصيل وهما عون وباسيل. وبرّرت المصادر هذه الحصرية «لأنّ انتخابات رئاسة الجمهورية دقيقة ولا تحتمل عدّة طبّاخين، ولأنّ المسألة تتعلّق بإنقاذ البلد وإيجاد تسوية سياسية».

ولفتت الى أنّ «الحوار يتمّ على أساسات متينة لصَوغ تفاهم سياسي عريض»، مشيرة من جهة ثانية الى أنّ «عودة الحريري لم تلغ استعدادات «التيار» للتصعيد والتحرّك والتي ستبلغ الذروة في 15 تشرين الأوّل، وكل التعليمات للمناصرين ما زالت قائمة ولم يتبدّل شيء في برنامج التصعيد حتى الساعة».