كانت الأشهر القليلة الماضية مهمة جدا للاقتصاد العالمي. وقد لا يكون الاستفتاء البريطاني وخروج المملكة من اوروبا آخرها سيما وان احدا لا يمكنه التنبؤ بدقة كيف يمكن لمجمل الاحداث ان تجري وما سيكون تأثيرها على الاقتصاد.

تُضاف الى ملابسات خروج بريطانيا من أوروبا، مسألة اللبس في الولايات المتحدة حول ما اذا كان الاحتياطي الفدرالي سيعمد الى رفع اسعار الفوائد او ابقائها منخفضة في المستقبل، كذلك فرص انتعاش الصين في النصف الثاني من العام والتي تضاءلت بشكل قوي.

في المطلق قد لا يكون الاقتصاد العالمي نفسه في الفترة المقبلة مع قرار خروج بريطانيا من الاتحاد وامكانية رفع الفوائد من قبل الفدرالي، وتباطؤ نمو الصين وهم ثلاثة من أهم العناصر التي يتطلع اليها المحللون والاقتصاديون في الوقت الحاضر.

وطبقا لابحاث دويتشه بنك فان الظروف الاقتصادية في المرحلة المقبلة سوف تتغير شيئا فشيئا، وقد انتهت حقبة العولمة التي بدأت في الثمانينات وتميزت بالنمو والانتاجية واحدثت تغيرات كبرى في العالم.

هذا وحسب الاستراتيجيين Reid, Burns & Chanida قد نواجه عقودا ثلاثة من تراجع في النمو ونسب الارباح وارتفاع التضخم وانخفاض التجارة العالمية، كذلك هناك تحديات التغيرات السكانية في جميع انحاء الكوكب سيما وأنه حسب ريد وزملائه فان العالم قد وصل الى ذروة ديموغرافية.

لذلك، وفي المطلق قد لا يكون العالم ما كان عليه في العقود الثلاثة الماضية بما يعني ان المواضيع البارزة حتي نهاية الحقبة القادمة في عام ٢٠٦٠ تشمل انخفاض الناتج المحلي الاجمالي وارتفاع الاجور الحقيقية وانخفاض مستويات التجارة الدولية.

وحسب دويتش بنك هذا التغير الاساسي في الدورة الاقتصادية ليس بجديد، ومن يراقب التاريخ يعرف حقبات شبيهة شهدناها منذ منتصف القرن التاسع عشر سيما بين ١٨٦٠ و ١٩١٤ وبعدها العودة الى معيار الذهب و Bretton Woods والذي استمر حوالي ربع قرن (١٩٧١-١٩٤٥) وتبعه ارتفاع التضخم في فترة السبعينات مما يعني فترات شكلت هندسة مختلفة للاقتصادات والسياسات.

«دويتش بنك» ليس المؤسسة الوحيدة التي ترى تغييرا اساسيا في الاقتصاد العالمي اذ انه وفور تصويت بريطانيا على الخروج من الاتحاد الاوروبي اشار بنك Barclays الى اننا على مفارق طرق رئيسية في حين ان محمد العريان كبير مستشاري Allianz رأى ما معناه «T-Junction» في الاقتصاد العالمي خلال السنوات الثلاث القادمة. وفي السياق نفسه، جاء حديث Stiglitz كذلك العديد من اقتصاديي صندوق النقد الدولي. هذه التنبؤات لم تأت من عدم بل هناك عوامل عدة ساعدت في القاء هذه الصورة القاتمة على الاقتصاد العالمي قد يكون اهمها.

١- رفع الاحتياطي الفدرالي لاسعار الفائدة والذي قد يحدّ من حجم الاقتصاد العالمي بنحو ٠،٤ بالمائة بعد سنتين ويضرب الاقتصاد الاميركي بنسبة اكبر. وقد لا يردع هذا العامل الفدرالي عن رفع الفوائد اذا ما رأى الامر مناسبا للولايات المتحدة.

٢- ارتفاع اسعار النفط والذي من شأنه ان يحفّز الاستثمار في بعض مناطق العالم سيما تلك التي تعتمد على النفط انما قد يقلّص الاستهلاك. ومن الغريب انه وحسب نموذج دويتش بنك فان اي زيادة لأسعار النفط لن يكون لها اي تأثير على النشاط الاقتصادي العالمي واذا كان هنالك أي تأثير سوف يكون متواضعا جدا.

٣- تباطؤ الصين والذي سوف يكون له تأثير مباشر على الاقتصادات الناشئة - وحسب Hooper كبير اقتصاديي الدويتش بنك فان الاقتصادات التي سوف تعاني كثيرا من هذا التباطؤ هي الاقتصادات الصغيرة عموما، والمرتبطة ارتباطا وثيقا بالصين مثل سنغافورة وتايلند او تلك المصدّرة للسلع الاساسية مثل المملكة العربية السعودية وماليزيا واندونيسيا.

٤- انخفاض قيمة العملة الصينية واضطراب الاسواق التي أدّت الى خفض اليوان بـ ١٠ بالمائة من قيمته مما يضرّ بالعالم ويؤدّي الى تباطؤ النمو. وهذا ما اوضحه Hooper عن انها ادلة انكماشية عالمية ويؤدي الى ٢٥ نقطة انخفاض في الاسعار العالمية.

٥- انخفاض في الاسهم العالمية وهو اسوأ من رفع الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة ودائما حسب الـ «دويتش بنك» وقد تكون الاسواق الناشئة الاكثر تضررا من هذه الصدمة كذلك دول الـ BRICS. ويلاحظ فريق Hooper ان هذه الانخفاضات في الاسهم تشير عموما الى تدهور شعور المخاطر والذي قد يؤثر على عملات الاسواق الناشئة ويسرّع في تباطؤ او عكس اتجاه تدفقات رأس المال.

كل هذه الامور وجب التطلع اليها سيما وان العالم وبعد الأزمة المالية العالمية وانهيار ليمان براذرز دخل مرحلة ثانية باتت فيها وعلى ما يبدو السياسات النقدية التقليدية وغير التقليدية غير نافعة. هكذا يرى الـ «دويتش بنك» العالم في السنين القادمة، وحسبه دائما ان الدورة القادمة من تباطؤ النمو سوف تستمر عقودا عدة.

وتبقى التحديات التي سوف تواجه السياسيين الاقتصاديين والمصارف المركزية وهذه الدراسة مصدرها أحد اهم وأكبر المصارف العالمية، وهي تؤكد ان جميع الظروف التي أدّت الى ٣٥ عاما من النمو والازدهار العالمي باتت الى تلاشي بما يعني دورة جديدة وموضوعات غير تقليدية تضع العالم اجمع على المحك.

 

بروفسور غريتا صعب