رغم «الغبار الكثيف» الذي تثيره بعض التسريبات والمواقف ذات الصلة بالاستحقاق الرئاسي في لبنان، فإن الطريق الى جلسة 28 الجاري الانتخابية محكومة بثابتتيْن «لا غبار عليهما»، الأولى انها لن تحمل زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون الى القصر الشاغر منذ 25 ايار 2014، والثانية ان الفترة الفاصلة عنها لن تغيّر «فاصلة» في موقف زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري المتمسّك حتى إشعار آخر بترشيح النائب سليمان فرنجية.

وتحت سقف هاتيْن الثابتتيْن، تدور «عجَلة» الاستحقاق الرئاسي ولكن في مكانها، رغم طابع «العَجَلة» الذي يضْفيه العماد عون على وجوب انتخابه في الجلسة 45 للبرلمان بعد 8 أيام، على قاعدة ان ما بعد هذا التاريخ سيكون غير ما قبله لجهة قرار «التيار الحر» بتبديل «قواعد الاشتباك» الداخلي بـ «الأقدام المتدحرجة» تحت شعار ردّ الاعتبار لـ «الميثاقية»، وذلك بعدما كان «رمى شِباكه» التي علِق فيها الحوار الوطني فعُلّق الى أجَل غير مسمى، فيما تترنّح الحكومة بين حدَّيْن: إما ان «تبتلع الطُعم» وتعود الى الانعقاد مع إدارة الظهر لغياب وزراء عون عنها، او تختار «السباحة مع التيار» الذي وضع كل المؤسسات في «المركب الرئاسي» الذي «يلاطم» تعقيدات خارجية مفتوحة على الصراع الكبير في المنطقة.

وفيما يكمل التيار العوني استعداداته لإطلاق مسار التحرك على الأرض تصاعُدياً حتى موعد الذكرى 26 لعملية 13 تشرين الاول 1990، فإن الجبهة الرئاسية سجّلت وقائع على خطيْن متوازييْن:

* الأوّل اعتمده «حزب الله» واعتُبر في سياق إحراج «تيار المستقبل» وحشْره في زاوية تحمُّل مسؤولية عرْقلة الاستحقاق الرئاسي بحال رفْض انتخاب عون في الجلسة المقبلة أو إظهاره «منصاعاً» بحال وافق على تجرُّع «هذه الكأس»، وهو ما عبّرت عنه مواقف متناغمة لنواب وقادة في الحزب حضّت الحريري على السير بزعيم «التيار الحر» رئيساً كمخرج وحيد للأزمة.

وبينما كان رئيس البرلمان نبيه بري يكرّس ان القطبة المخفية في الملف الرئاسي والتي لم تعد خافية على أحد تتمثّل في «حل السلّة المتكاملة» كمدخل يريده و«حزب الله» للإفراج عن الاستحقاق الرئاسي، رفع الحزب بلسان نائبه علي فياض «سقف التحدي»، معتبراً ان عدم معالجة «ازمة الحكم» الحالية على قاعدة الالتزام بقواعد الشراكة بين المكونات اللبنانية «قد يدفع باتجاه تداع في الواقع والمعطيات، ما يفضي إلى أزمة نظام تستدعي معالجة في إطار وقواعد الميثاقية».

وتعاطتْ مصادر سياسية مع كلام فياض على انه أبعد من مجرّد رفع منسوب الضغط لانتخاب عون، بل مؤشر الى ان تمادي الأزمة مع ما تعنيه من مزيد من تآكُل المؤسسات يصبّ في مصلحة رؤية «حزب الله» القائمة على ضرورة إعادة النظر في «كعكة السلطة» وتوازناتها تماشياً مع «فائض الامتداد» الذي تعبّر عنه أدواره العسكرية خارج لبنان، ملاحِظةً في هذا السياق ان مواصلة بري «إطلاق النار» السياسي على العماد عون تعكس في جانب منها توزيع أدوار لضمان الحصول على «الجائزة الكبرى» التي تشّكلها «السلّة المتكاملة».

* أما الخط الثاني فعبّر عنه «تيار المستقبل» الذي اكد نواب فيه ان اجتماع كتلته البرلمانية اليوم سيعاود تأكيد التمسك بترشيح النائب فرنجية مع بدء العدّ العكسي لعودة الرئيس الحريري الى بيروت، وان ترشيح عون «ليس وارداً حتى الساعة».

وفي ظلّ هذا المناخ، لم تجد دوائر سياسية في بيروت حظوظاً لأي سيناريوات مباغتة في جلسة 28 من مثل توفير النصاب والتحاق 3 او 4 نواب من تكتل الحريري بركب مؤيدي انتخاب عون فتكون المفاجأة المدوّية، لافتة الى ان اي سيناريو مماثل لا بد ان تسبقه ترتيبات متعددة الاتجاه داخلياً وخارجياً وهو ما لا يلوح في الأفق.


الراي