الخروقات المتفرقة لم تنل من صمود الهدنة في سوريا. وهذا يعود الى قوة الضغط التي تمارسها واشنطن وموسكو على المعارضة والنظام لوقف الاعمال القتالية.

روسيا تريد الاتفاق باباً لرفع العقوبات الاقتصادية عنها وللاسراع في ايجاد حل للمسألة الاوكرانية، وهي ما كانت لتتوصل اليه لولا منعها نظام الرئيس بشار الاسد من السقوط وجعلها المعارضة المسلحة في وضع ميداني صعب فبات هامش المناورة امامها شبه معدوم.
وادارة اوباما من جهتها ترغب في اتفاق اللحظة الاخيرة من ولايتها لتبرئ ذمتها تجاه "اصدقائها" السوريين من وزر التقاعس حيال ما تعرض له شعبهم خلال السنوات الخمس الاخيرة. لكن مصلحتها في الهدنة أقل مردوداً مما يطمح اليه لافروف وبوتين. فالصوت الروسي واحد بينما بدأت تصدر أصوات متعارضة من داخل الادارة الاميركية نفسها تميز ما بين رأي وزارة الخارجية من جهة ورأي "البنتاغون"، والاستخبارات من جهة أخرى. واذا ما نجت الهدنة من التجاذبات والسقوط في فخ الخروقات فان ذلك سيقود الى تشكيل غرفة عمليات مشتركة مهمتها ليس ضرب "داعش" فحسب بل "النصرة" أيضاً، وهنا يكمن الانتصار الكبير لموسكو لما يشكله هذا الفصيل من وزن عسكري في الميدان السوري. أكثر من ذلك، إن ما يرشح عن الشق السياسي في الاتفاق ليس بعيداً الخريطة الروسية المعلنة للحل والتي تتضمن: حكومة وحدة وطنية، وتعديلات دستورية، ثم انتخابات نيابية ورئاسية يشارك فيها الاسد. وهذا ربما ما يدفع واشنطن الى الاحجام عن نشر الاتفاق لئلا تثير حنق "اصدقائها" السوريين وحلفائها مجدداً.
ولعل "الخطأ" الاميركي في دير الزور هو لتصحيح "الخطأ" في اتفاق كيري – لافروف، عبر التهديد باعادة التوازن الى الميدان والحد من الاستثمار الروسي والنظامي السوري فيه، وللتلويح بأن الخطة الاميركية "باء" للحل في سوريا لا تزال قائمة. فدير الزور ليست مجرد مدينة معزولة بل هي قلب الشرق السوري والمورد الاساسي للنفط والزراعة ومفتاح الطريق الى العراق والتواصل مع بغداد المفتوحة على طهران. وانكفاء الجيش السوري عنها من شأنه ان يعيد احياء مشاريع الاقاليم المذهبية في سوريا والعراق بعد اخراج "داعش" منها.
وكأن الاميركي بذلك، يوجه رسالة واضحة الى من يعنيهم الامر، بان الهدنة والاتفاق الذي سيليها، لن يكرسا غالباً ومغلوباً في سوريا، وان البديل من هذا الاتفاق لا يزال حياً في الادراج الاميركية... أو أن كيري ولافروف اللذين رددا أن الهدنة هي الفرصة الوحيدة لإبقاء سوريا موحدة، يضعان السوريين وكل الافرقاء الآخرين أمام خيارين لا ثالث لهما: رضوخ الجميع للارادة الاميركية الروسية، أو الذهاب الى الخيار الكارثي، أي مواصلة الانتحار الى ان ينضج الانفصال!

 

أمين قمورية