هموم الفراغ الرئاسي تربض بأثقالها، ونتائجها، ورواسبها السيّئة جداً، على صدور معظم اللبنانيّين، إن لم يكن كلُّهم جميعهم. البعض يحمِّل إيران كامل المسؤولية، مع غمزة من طرف فئات لبنانيّة. آخرون يضعون كامل الحق والتقصير على كتفي ساكن البيت الأبيض باراك أوباما، نافياً عن فرنسا أيّ تقصير ولكن ليس في اليد حيلة.

بصورة عامة الناس طفح كيل اليأس والقلق لديهم، ولا يبرئون قياديّين ومتزعّمين ومسترئسين من هذه "المصيبة" التي لم يعرف لبنان مثيلاً أو شبيهاً لها حتى إبّان حروب الآخرين وما "جادت" به من سيّئات وكوارث.
واقعيّاً، واستناداً إلى أمثلة ووقائع وأحداث "رئاسيّة" واضحة كعين الشمس، يمكن القول مرّة أُخرى، بل دائماً، أن قوى الخارج هي من يختار رئيس الجمهوريّة في لبنان، ولا دور يُذكر لقوى الداخل التي تجتمع رباعيّاً، أو سداسيّاً، أو أكثر أو أقل، وتتفرَّق من دون نتيجة تذكر، وليبقى كل فراغ على حاله، وكل أزمة على سيبتها.
باستثناء مرّة واحدة يتيمة، حيث استطاع قادة لبنانيّون صلبون وأقوياء بارادتهم وأقدامهم أن يكسروا "قاعدة" صناعة الرئيس في الخارج وإرسال اسمه الى مَنْ يعنيهم الأمر في لبنان.
وكان ذلك أوّل حدث سياسي وطني مُدهش يعرفه لبنان بعد الاستقلال، فتمّت معركة انتخاب رئاسيَّة بديموقراطيّة كاملة ومشرقة أوصلت بنتائجها الرئيس سليمان فرنجية الى قصر بعبدا... بفارق صوت واحد، قال فيه غسان تويني إنه "صوت الشعب"...
يعلم المسترئسون والذين يدورون في أفلاكهم، والذين يهمدرون ويهدّدون ويدعون للنزول إلى الشوارع والساحات، يعلم هؤلاء، ويعلم اللبنانيّون بدورهم، أن الانتخابات الرئاسيَّة في لبنان تختلف اختلافاً كبيراً عن الانتخابات الاختياريّة، والانتخابات البلدية، وعن الانتخابات النيابيّة أيضاً.
والذين يعيشون تفاصيل الأحداث والتطوّرات التي ترافق الفراغ الرئاسي المفروض على جميع القوى، والأحزاب والتكتّلات، والقيادات، يدركون أن لبنان ممنوعٌ بقرار "جامد" من انتخاب رئيس للجمهوريّة منذ سنتين وأربعة أشهر. وسيبقى لأشهر مقبلة كذلك.
إذاً، إلى مَنْ يتوجَّه المُهدِّدون ومُهبِّطو الحيطان عندما يعلنون أنّهم يتحضَّرون ويستعدَّون للنزول، أو الصعود، أو التظاهر، أو الاعتصام؟
ولِمَ لا يعلنون ما عندهم من آراء ومآخذ وضد فلان أو علّان؟ ولِمَ لا يحدِّدون المسؤولين عن الفراغ، والذين يمنعون لبنان من انتخاب رئيس للجمهوريّة ويثورون ضدّهم؟
إنّها سياسة الغوغاء التي لا تحصد سوى المزيد من الفراغ. وهذا من البديهيّات.

 

إلياس الديري.