هل صحيح أننا نريد رئيساً، وأننا نريد القضاء على الفساد؟ إذا نعم، فكيف نحقّق هذه الإرادة؟ سأفترض أن قوى الحريّة والديموقراطية، ومعها ملتقى التأثير المدني، والهيئات الاقتصادية والعمالية والتربوية والفكرية والثقافية، انعقدت في مؤتمر عاجل، واقترحت الحلول العملانية للخروج من الأزمة الوطنية المستديمة، وأصدرت في الختام بياناً دعت إلى تنفيذ بنوده، من أجل تحقيق الخلاص الوطني، وفي مقدم هذه البنود، انتخاب رئيس. فكيف يمكن الانتقال إلى مرحلة التطبيق، وما الآليات التي يجب اعتمادها؟ يجب أن يخرج هؤلاء جميعاً، من الدائرة المغلقة لمرحلة الدرس وتبادل الرأي واقتراح الحلول، إلى اتخاذ خطواتٍ محددة تكفل ممارسة وسائل الضغط الديموقراطي المنظّم، في القطاعات والمؤسسات كلّها.

استُخدِمت عبارة "الضغط الديموقراطي المنظّم"، للمرة الأولى في لبنان، في أواخر الستينات، في أدبيّات حركة الوعي، التي ترأسها المفكر أنطوان الدويهي، وأسّستها مجموعة شبابية، متنوّعة الانتماء، ذات أبعاد ثقافية، فكرية، سياسية، مدنية، وطنية، ديموقراطية، فخرجت على التمييز التاريخي المبسّط بين اليمين واليسار، ودعت إلى إنشاء قوّة ثالثة، وإقامة دولة الحقّ والقانون، من خلال اعتماد وسائل ديموقراطية، ضاغطة، متدرجة، تأخذ في الاعتبار المعطيات الموضوعية، في كل قطاع، وتتعامل معها بأسلوب الضغط الملائم. تمكنت تلك الحركة الفتية من ردم الانقسام الوهمي بين مفهومَي اليمين واليسار، ووحّدت القوى الشبابية حول برنامج عمل مشترك، من خلال رفعها شعارات كانت حكراً على اليسار التاريخي التقليدي، وموسومة به، وبأحزابه ومنظماته، فحرّرت تلك الشعارات من إسقاطاتها، وأضفت عليها بعدها الوطني، المدني، الديموقراطي، الجامع. ترافق ذلك مع إطلاق تلك الحركة جملةً من المفاهيم والمعايير، تبنّتها في عملها الضاغط لتحقيق المطالب الجامعية والتربوية والشبابية. كان الزمن آنذاك زمن الحركات التحررية، في لبنان والعالم، وزمن المناداة بالقيم، فنشأت من جرّاء ذلك حالةٌ لبنانية، مجتمعية وثقافية وأخلاقية، عامة، تخطّت الأطر الجامعية، لتؤسس لوعيٍ جمعيّ لبناني، لم يُتَح له أن يستكمل شروطه، ويرسّخ مفاهيمه، بسبب اندلاع الحرب في العام 1975، فآثرت تلك الحركة الانسحاب من العمل العام، تاركةً لأهل الحرب أن يفعلوا فعلهم الهمجي الذي لا تزال آثاره ومفاعيله، تُحدِث ارتداداتها الزلزالية حتى اليوم.
الآن نحن هنا، بلا رئيس للجمهورية، في ظلّ طبقةٍ سياسيةٍ فاسدة، ودولةٍ مفرَّغةٍ من مؤسساتها. هذه القوى المشار إليها أعلاه، فلتستنهض شعبها وشبابها، ولتفرض بوسائل الضغط الديموقراطي المنظّم التي ترتئيها، الرئيس ودولة القانون اللذين ترتئيهما! الآن، هنا، وفوراً.

 عقل العويط