نزل أهالي القرعون شيوخا ونساء ورجالاً وأطفالا يذودون عن صحتهم بعدما طفح الكيل.
لا يمر أسبوع أو على الأكثر شهر إلا وتشيّع القرعون أحد أبنائها مقتولا بالتلوث، أو مصابا بسرطان التلوث. تقول ذلك علميا الدراسة التي تنفذها الجامعتان الأميركية واللبنانية بالتعاون مع الهيئة الصحية اللبنانية، وفق ما يؤكد المشرف على الدراسة الدكتور إسماعيل سكرية.
يؤكد سكرية أن الدراسة ستستمر لسنتين أو أكثر، ولكن النتائج الأولية أظهرت أن نسبة انتشار مرض السرطان في القرعون، على سبيل المثال لا الحصر، بلغت نحو خمسة أضعاف المعدل العام في لبنان، وذلك بسبب التلوث ليس فقط من البحيرة التي تقع القرعون في أعلاها وتصل بعض بيوتها على ضفتها، بل من القناة 900 التي تمر في البلدة نفسها.
لم يتجرأ أي من المسؤولين على مساءلة أهالي القرعون على ردمهم القناة التي تروي مئات الهكتارات من القرعون نفسها إلى أراضي لالا وبعلول وجب جنين وصولاً إلى خربة قنافار. خسائر توقّف ري البطاطا وحدها تصل إلى نحو ستة ملايين دولار. اكتفت الدولة المذنبة بالصمت واعدة بـ «التعويض» على المزارعين. من يمكنه أن يجادل المواطنين في محاولة رد الموت عنهم وعن أطفالهم؟
يقول مختار القرعون فادي أبو فارس إن البحيرة تحولت إلى مخزن ومكب لكل النفايات السائلة والصلبة والصناعية من منبع الليطاني في العلاق إلى السد مرورا بالبقاع الأوسط وقرى الغربي. لا يحصر المختار التلوث بالبحيرة «كل النهر من العلاق إلى القاسمية بالجنوب مرورا بالبحيرة ملوث وكل الناس تعيش في الخطر».
يقول المختار إن مشروع السد اقتطع آلاف الدونمات من أراضي القرعون بسعر 15 قرشا للمتر في الخمسينيات «وكان زهيداً». اليوم بسبب التلوث الذي ضرب الليطاني والبحيرة تدنت أسعار الخضار إلى الأرض بينما صار صيادو الأسماك يحملون صيدهم إلى مناطق بعيدة «لأن أحداً لا يريد أن يشتري من سمك البحيرة الملوث خوفا من الأمراض».
يرى أبو فارس أن ما حصل مع الليطاني وبحيرة القرعون هو إهمال ممنهج «ربما لأنه لا يوجد زعامة على مستوى البلاد من المنطقة لتذود عنها وتحمل همّ أهلها عالياً». السرطان أكل الناس والتلوث ضرب حياتهم. هو الحكم بالإعدام حرفياً.
تقول سيدة من القرعون تعرف عن نفسها بأنها زوجة أسعد ضاهر، إنها تسكن قرب القناية منذ إنشائها «كان أولادي يسبحون بالمياه قبل تلوثها، اليوم أنا أسجنهم داخل البيت خوفاً عليهم من الأمراض والروائح».
يمرض أولاد السيدة بالطفح الجلدي والحساسية طوال الوقت. تقول إن عيادات الأطباء في المنطقة تعج بالمرضى بسبب التلوث، وان طبيباً واحداً سجل حصول ثلاث حالات تيفوئيد في البلدة.

السفير