قصة بول بدأت منذ الإنتخابات البلدية الأخيرة، في ذاك اليوم كان يشعّ فرحاً كعادته، ويوزع نُكاته على الحاضرين فتعلو ضحكاتهم. كان ذلك قبل أن تحاول إحدى قريباته ممازحته بضربة من كفّها على خدّه، فكانت المفاجأة أو بالأحرى الكابوس الذي تحوّل إلى حقيقة مؤلمة. في تلك اللحظة شعر بول بخدرٍ في جانب من وجهه حيث تلقى الكف، وبدأ الخدر يصيب أنحاء جسده في الجانب نفسه. في البداية لم يعر أهله الأمر اهتماماً ولاسيّما أنّ صحته جيدة ولا يعاني من أيّ مرض، ولكن في اليوم التالي عندما وصل إلى مكان عمله، طلب من زميلته أن تصفعه على وجهه، فظنّت في البداية أنّ ما يطلبه جزءاً من مزاحه المتواصل. رفضت الطلب الغريب. أعاد الطلب نفسه من زميله هذه المرة "إيلي ضربني كف وقوّي شوي". وبسبب إصراره استجاب زميله وصفعه على وجهه، ومن جديد شعر بول بالخدر نفسه يصيب كامل الجزء من جسده حيث صُفع، عندها أخبرهم بأمر الصفعة وما أحدثته من خدرٍ في المرتين، نصحوه بالتوجه فوراً إلى الطبيب، وهذا ما فعله بعد انتهاء دوام عمله، والصدمة التي أظهرتها فحوصاته الطبّية أنّه مصاب بسرطان في الدماغ، تفشّى وأصبح في مرحلة متقدمة جداً.


زملاؤه في العمل، وإن لم يلحضوا أيّ مؤشرات تدل على أصابته بهذا المرض قبل اكتشافه، إلاّ أن إحداهنّ لاحظت منذ أكثر من سنة أن بول ينسى كثيراً، ويصاب بالنعاس ويغفو وهو على كرسيه بشكل مفاجىء، فكانت تنصحه دائماً بإجراء فحوصات طبّية، لكنّه كان يعلل الأمر بالسهر وعدم أخذ القسط اللازم من الراحة.

الخبر وقع كالصاعقة على زوجته واقاربه وزملائه في العمل، فهو الخمسيني المفعم بالحياة ،لا يشكو من أيّ أوجاع ، لا يمل المرح ولا النكات، أينما حلّ يحول الجلسة إلى ضحك ومزاح، ولا فرق بين من تعرف عليه للتو أو من يعرفه منذ زمن. جليسه لا بدّ وأن يضحك فور لقائه ، فشعاره الذي طالما ردّده "شو فيها ها الحياة، ما فيني شوف حدن زعلان".

وحده بول تلقى خبر سرطانه الخبيث ببرودة أعصاب، وأكثر من ذلك أخذ يخفف عن أصدقائه ومحبيه وهم كثر، قائلاً " لى شو زعلانين ، هاياني ما بني شي"، ويكمل مزاحه وكأن شيئاً لم يخترق دماغه، وكأن نتائج تلك الفحوصات المرعبة تعود لجسدٍ آخر. هذه القوة التي واجه بها بول مرضه مردّها إلى شخصيته المرحة وإيمانه، ولكن الله وحده يعلم كيف كان يمضي ساعاته عندما يعود إلى منزله، وينظر إلى كل من زوجته وابنه الوحيد الذي لم يتجاوز الثمانية أعوام ، وهو يخشى فراقهما.

إيمانه أوصله إلى مزار القديس شربل، وحدها معجزة إلهية قادرة على شفائه من ذاك المرض الخبيث، ومن هناك عاد بول متسلحاً بشفاعة القديس شربل، بعدما جلب معه ثوباً من المزار ولبسه على مدى شهر، ولزميلته في العمل قال "قريباً انشاء الله سأزورك في بلدتك لأفي النذر الذي نذرتِه من أجلي في مزار بلدتكم ". التفاؤل لم يفارقه لحظة، في المستشفى عمل بول بتوجيهات طبيبه فخضع لجلسات الأشعة، بقي وضعه الصحي مستقراً، ويزاول عمله كالمعتاد، إلى أن شعر قبل أقل من ثلاثة أسابيع بدوار ولعيان، نٌقل على أثرهما إلى المستشفى، ومنذ ذلك الحين دخل في غيبوبة كاملة.

زوجته منهارة لا تصدق كيف انقلبت حياة أسرتها إلى جحيم خلال أسابيع معدودة، وابنه الوحيد مصدوم من تخلي والده عنه، وهو المعتاد أن يقضي معه أوقاتاً طويلة في اللعب والمرح، واصدقاؤه يسألون كل صباح "كيف صار بول؟" ليسمعون الإجابة المؤلمة نفسها : بول يرقد بين الحياة والموت في تلك الغرفة التي لا تليق بروحه المرحة وحيوته وخفة ظلّه.

القصد من كتابة هذه السطور ليس التضرع لله ورسله وقدّسيه بأن يشفي بول ويعيده إلى حياته وأسرته ومحبيه فحسب، بل أيضاً للتنبه من أيّ مؤشر أو عارض قد يصيبكم ولو كان بسيطاً، وعدم تجاهل أولوية صحتكم في زحمة الحياة ومشاغلها.

لبنان 24