لربما اعتقدتا أنّ الأذرع التي تحتضن بعضها، قادرة على فكّ قيود هذا العالم الظالم والمظلم. سوف تعانق الواحدة الأخرى، وربما تغفو في الحضن. لكنّ خناق الحرب لا يترك الشقيقتين تنامان بسلام. أو تتقاسمان "سندويشة" أو "كيس بطاطا". أو تتأرجحان في "مدينة الملاهي" إلى حدّ تحليق الأحلام في سحابة أمان.
الأولى تُدعى أمينة وهي في ربيعها السابع. الثانية، اسمها هديلة وعمرها ست سنوات . وهما سوريتان...وهذا بات يكفي كي تصاب الطفولة بانتكاسة!

بتاريخ 6 أيلول 2016، وفي منتصف النهار، فُقدت الفتاتان عند محلّة نهر الموت في الجديدة. يُخبر والدهما موقع "لبنان24" انهم أتوا من منطقة الجناح حيث يقطنون، لتمضية بعض الوقت في مدينة الملاهي الموجودة هناك. يقول:" دخلت عائلتي (الزوجة وأربع فتيات) إلى "المدنية" على أساس تنتظرنني قليلاً ريثما أبتاع بعض الأطعمة والمشروبات من دكان في الخارج (لأنها أرخص)، إلا أنني فوجئت بأمينة وهديلة تلحقان بي، فطلبت منهما الجلوس في مكانهما (تحت جسر نهر الموت) بانتظار عودتي من الدكان. وحين رجعت لم أجدهما، فبدأت عملية البحث التي لا تزال مستمرة، حتى أن صاحب احدى محطات الوقود بحث في ما سجلّته كاميرات المراقبة، فظهرتا أولا تلعبان، ثم التفتا واختفيتا".

 

الوالد الهارب وعائلته من حلب منذ حوالى الأربع سنوات بسبب الحرب وموت ولده أمام عينيه في تفجير، لم يجرؤ على إبلاغ القوى الأمنية بالأمر، كونه يحتاج إلى تجديد اقامته. لكنه سارع الى طباعة صورة الطفلتين ولصقها على الأعمدة والبراميل في المكان نفسه حيث فقدتا.

ويكشف أنه أبلغ "الأمم المتحدة" بالأمر (يقصد المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي يتلقى منها المساعدات). كما تواصل مع عدد من الجمعيات التي كان يحصل منها على المعونة. اليوم، اتصلت به إحدى السيدات لتبلغه بأن الطفلتين في مأمن، وقد سلمتهما القوى الأمنية الى جمعية، على حدّ أقواله. وطُلب منه التوّجه غداً اليها وبحوزته أوراقه الثبوتية.

حاول موقع "لبنان 24" التواصل مع السيدة التي أعلمته بالأمر، لكن المحاولات باءت بالفشل. الوالد مفجوع، ويتوّسل المساعدة لإيجاد طفلتيه. على مسمعه تردد أكثر من فرضية سوداء: الخطف، بيع الأعضاء، الإغتصاب والقتل. يبكي، ويقول بغصّة: "لسنا لا مع النظام ولا مع المعارضة. جلّ ما نريده حياة في السلام. لو كان لي مأوى في حلب، لما تركت".

هنا تحت جسر نهر الموت، كان الوالد يتردد لبيع المحارم الورقية. وهنا، كأوراق خريف خائفة، اختفت أمينة وعائشة. فهل تعودان غداً؟ وهل تتعانقان ضاحكتين خائفتين في لعبة "الدولاب" في"مدينة الملاهي"؟ وهل تعود الطفولة إلى سوريا! أم أن مصير البراءة بات أمام خيارين، كلاهما معلّق...على "برميل"؟!

لبنان24