هيدا مش مقال طائفي، هيدا مقال واقعي... هيدا مش مقال بينقل كلام سياسي وعقيدة وحزب وزعيم وبيك وشوفيره، هيدا مقال ناطق بلسان فلاحين غير كافرين، يحصون محصولهم راكعين، أيديهم على صدورهم ضاربين، وجوههم إلى الكنيسة موجِّهين، أن تكون أسعار التفّاح هذا الموسم أكثرَ مما هم موعودون.

ليس الحقّ على الموارنة إذا كانت شجرة التفّاح تأبى العيش في غير مناطقهم الجبلية النائية ولا تشرَب إلّا ماء الثلج، وليس الحق عليهم إذا وقَعوا في حبّها وأصبحت رفيق دربهم ومعيلهم الأوّل والأخير، وسنْدةَ ضهرهم في موجات الجليد، ولا إذا كانت من تضع لقمة الخبز على موائدهم وتدفع أقساط أولادهم وتُبقي الأمل نابضاً في قلوبهم... وإنّما الحق، كلّ الحق هو على مشايخ وبكوات وزعماء ونوّاب ووزراء الموارنة الذين لم يعرفوا سوى تحصيل غنائمهم على حساب لقمة عيش أولئك الفقراء الذين يسكنون جبالاً يخاف الدبّ القطبي أن يطأها في شهر شباط.

والأنكى من كلّ هذا، أنّ هؤلاء المتزعمين يُشغلون الشعب بحقوق المسيحيين المسلوبة وموقع رئاسة الجمهورية في اشتباكات إعلامية وسياسية لا تنتهي، ويا ليتهم قادرون على انتخابه... ويحاولون التعتيم على حقيقة تاريخية تؤكّد أنّ رئاسة الجمهورية في لبنان لم تكن يوماً سبب وجود الموارنة، وإنّما كانت دوماً وأبداً نتيجة لصمودهم في جرود عكّار وبشرّي وتنّورين وكسروان وأعالي المتن والشوف وجزين، فإنْ هم ماتوا غابت وإنْ هم صمدوا عاشت...

دخلكم، قبل ما يكون شارل دباس أوّل رئيس مسيحي للبنان عام 1926، كيف صَمد المسيحيون لأكثر من 1500 عام في ظلّ الإقطاع والظلم والاضطهاد والتنكيل والتجويع؟ المسيحيون واجَهوا «بَيّ بَيّ» داعش لمئات السنين، ولم يحاربوه برئيس جمهوريتهم ونوابهم، بل بالشجرة والثمرة والأرض، وبقوّة إرادتهم للبقاء والصمود.

يكفي متاجرةً بكرسي رئاسة الجمهورية، ولا بدّ أن يبدأ الغيورون على حقوق المسيحيين المتاجرة بتفّاح الموارنة وعرق جبينهم الذي يشكّل لهم ضمانةً أكثر من أيّ منصب...

التفّاحة ليست للقوات ولا للتيار والمردة والأحرار والكتائب والكتلة الوطنية وحرّاس الأرز، ولا أي فصيل مسيحي، التفّاحة سلاح الموارنة في لبنان ضدّ الجوع والفقر، وضمانتهم في وجه التهجير والتهميش والإقصاء، التفّاحة التي تُباع بسعر محترَم هي وحدها الحقّ الذي يبحث عنه الموارنة لتبقى الأرض لهم، وليبقى أمل الجمهورية.

عطِّلوا ما شئتم من جلسات، وقاطِعوا ما استطعتم من استحقاقات، ولا تفَوّتوا فرصة للمناكفات والمشاجرات والمزايدات... لكن إيّاكم وقطع أرزاق المزارعين وعدم تصريف إنتاجهم، وتذكّروا أنّ الفلاحين غيّروا وجه التاريخ في أوروبا وأميركا ولبنان عدّة مرّات، تذكّروا أنّ هناك طانيوس شاهين تحت كلّ كعب تفّاحة وفوق كلّ سحّارة مِش منباعة.

يقول المثل الإنكليزي إنّ «تفّاحة في اليوم تُبقي الحكيم بعيداً» (An apple a day keeps the doctor away)... ولكن في ظلّ الاستهتار الوقح بموسم التفّاح الذي يُعيل مئات آلاف العائلات المارونية، فـ 500 مليون تفّاحة لن تكفي لشفاء المزارعين من المخلفات النفسية والعصبية والمعيشية التي سيواجهونها في ظلّ السياسات الزراعية الحالية، وأمام دَينةِ زعمائهم الطرشة.

لا يريد المزارع أن يبيع تفّاحاته لشِراء فستان مطرّز لزوجته أو سيارة عصرية لابنِه، بل يريد فقط تأمين شوَيّة مازوت ورغيفين خبز وقالب جبنة بلدية يقضي فيها شتاءَه استعداداً للموسم المقبل... يريد بيعَ تفاحاته لدفعِ أقساط أولاده في الجامعات حيث يشكّلون نواة الخلايا الطلّابية التي تدافع عن مطالب الأحزاب المسيحية فيها.

أنا أعلم أنّ الموارنة كانوا يفضّلون زراعة الذهب والألماس في بساتينهم، لكنّ الأحوال الجوّية عاكستهم... وهم لا يتمنّون الآن سوى أن يلتفتَ إليهم البيك أو الشيخ الذي مصَّ دم كرامتهم طوال سنوات من الانتخابات المتتالية، أو حتى الحزب والتيار الذي دافعوا عنه بالروح والدم، وينشئوا لهم مراكزَ تصنيع التفاح إلى خلّ وعصير ومربّيات، أو إلى أسواق يبيعون فيها محصولهم بسعر عرقِ جبينهم، ويحافظوا على شرف فخامة صندوقة التفاح اللبنانية.

 

جوزف طوق