هذا الذي كان، قامةً باسقة وهامة بارقة، ساطعَ المحيّا، ذهبيَّ الفم، عريقَ النسب بين العرب.

هذا الذي حضَّر العروبة ورفع إسمها وأعلى عزّها وأغنى تراثها وأنقذ لُغتَها وأطلق لسانها فصيحاً في المشارق والمغارب.

هذا الفتى المشرقي الأعرق، حين تقزَّم رجاله، ومزّق هويته، وكبَّل جناحيه عن التحليق، وقيَّد معصمَيْهِ بالسلاسل، خطفته صبيّة عربية سمراء، إسمها دولة الإمارات وخطفت معه أبرز ما يتحلّى به من تفوّق وتقدُّم وتطور وعمران.

ومع أن «الجريمة» دامغةٌ بالجرم المشهود، إلّا أنها اختطاف أدبي مشروع ومبرّر قانوناً، حولَه تتنافس الشعوب، وعليه الأمم تتلقى الجوائز.

إنها المقارنة بين ما بناهُ لبنان على الصخر وهو آخذ في الإنهيار، وبين ما تبنيه إبنة الصحراء على الرمل وهو ينمو بازدهار.

هناك على الرمل حيث تطأ قدماك ينبت الزهر، وهنا حيث الرياض الخضر وتدفُّقُ الجداول، تذْبُل الأزاهير تحت قدميك ويلسعك الشوك، ليس ذاك الشوك الذي عناه الرئيس الأميركي جيمي كارتر بالقول: «إن لبنان مثل القنفذ أينما تلمسه يشكّك..».

هناك، حيث كانت البداوة والكثبان والخيام، وكان نظام العشائر وحكم شيوخ القبائل، تفتّقت بطون الصحراء عن ثورة قياسية في عالم التطور والعمران إرتقاءً الى مصاف الدول العظمى.

وهنا بسبب افتقارنا الى «راشد» ينحدر لبنان الى المصاف العالمي الأدنى من التقهقر والتخلّف، وفيما كان نظامه الديمقراطي يتشامخ وحيداً على قصور المنطقة وعروشها، انحدر اليوم الى حكم العشائر وشيوخ القبائل.

هناك تخطّت الإمارات السمراء تطور الأنظمة العالمية باستحداث منصب وزير لسعادة المجتمع، وهنا لا رئيس ولا نيابة ولا وزير، ومجلس الوزراء مجلس عزاء، يطمر سعادة المجتمع في المزابل.

هناك كان استحداث وزير دولة للتسامح وحماية اللغة العربية وتنمية الثقافة، وهنا حيث موئل اللغة العربية وروّادها، لم نستطع حمايتها من الإسفاف وثقافة الحذاء.

وهنا، حيث الصيغة اللبنانية الحضارية تكتنز تسامح الأديان السماوية وسماحتها، يتأجج الإحتقان العدائي ويتفاقم الحقد وتستفحل البغضاء، وتستشري الضغائن.

نعم، هذا هو لبنان، الضارب في أعماق الزمان، الرائد الحضاري والديمقراطي والثقافي والعمراني، فارس الأقلام والأعلام، طليعيّ المنابر العربية والمحافل الدولية، خطفته تلك الصبية السمراء.

ولم يبقَ إلا أن نعلّق الأمل على الصبية الأسطورية الشقراء التي إسمها عشتروت لتعيد الحياة الى أدونيس بعد أن صرَعَهُ خنزير برّي.

جوزف الهاشم