باتت كرة القدم اللبنانية بمفهومها التقليدي صراعاً بين محورين، الأول يُعدّ العدة ويُنفق الأموال من أجل المنافسة على الألقاب، وفي مقدّمها لقب الدوري العتيد، وهو الأهم للفرق الكبيرة التي اعتادت أن تخوض غمار المنافسة بعد تحشيد قواها وهي «النجمة» و «الأنصار» و «العهد» و «الصفاء» مع احتمال حصول خرق استثنائي، فيما يتمثل المحور الثاني بالفرق التي تشارك في البطولات من إجل هدف واحد وهو البقاء في الدرجة الأولى، بينما يكون مصير الحلقة الأضعف السقوط الى الدرجة الثانية.
وإذا كانت بطولتا النخبة والتحدي أفضل وسيلة لتحضيرات الفرق الـ12 من خلال تأمين فرص الاحتكاك في ما بينها، لاكتشاف مكامن الخلل والمسارعة الى معالجته وتلبية متطلبات المدربين، إلا أن هناك من لم يأخذ العبرة من هاتين البطولتين، فراح يلملم اللاعبين من كل حدب وصوب دون رؤية، كما تأخّر في حسم ملف الأجانب حتى اللحظات الأخيرة من إقفال باب التواقيع كأنهم «أكسسوار» ليس أكثر.
«الصفاء»
لا بدّ من البدء في «الصفاء» لكونه حامل اللقب وتقع على عاتق لاعبيه مهمة كبيرة للذود عنه في ظل التنافس الشديد لانتزاعه منه، لاسيما أنه اقتنصه من براثن «العهد» في الربع الأخير من الدوري، وهذا سوف يحدّد الأحجام وقدرة فرق الطليعة على إزاحته.
ومن المفترض أن يكون «الصفاء» استفاد من كأس النخبة لأنه خسر أمام «العهد» (1 ـ 3)، قبل أن يتم تخسير الأخير بسبب خطأ تقني وأمام «النجمة» (صفر ـ 2)، ما دفع الإدارة لتدارك الأمر قبل فوات الأوان فسارعت مع الجهاز الفني بقيادة اميل رستم الى ضم لاعبي «النجمة» وليد اسماعيل ومحمد قاسم والمخضرم محمد قصاص قبل أن تظفر بلاعب «النجمة» حسن أومري في اللحظات الأخيرة.
وربما يكون «الصفاء» الخاسر الأكبر بعد الاستغناء عن أفضل لاعب في لبنان محمد حيدر وعلاء البابا وكان سبقهما نور منصور، إلا أن الادارة أنهت ملف الاجانب بالتعاقد مع لاعب الشباب «الغازية» الكاميروني ستانلي ايشاب، بعد أن اقتنع المدرب اميل رستم بالسنغاليين المهاجم دومينيك مندي والمدافع لامين ديوب، الى جانب ضخ دم جديد من خلال الدفع بسلطان حيدر ومصطفى قانصو وعلي كركي وعمر المصري وعباس السيد.
«النجمة»
يكاد يصح القول في «النجمة» إنه «أم الصبي» لأنه مطالب دائماً بالفوز في جميع الألقاب، لاسيما الدوري، لأنه يملك وسيلة ضغط لا مثيل لها في سائر الأندية لتحقيق أهدافه المتمثلة بقاعدته الجماهيرية التي ما انفكت يوماً عن مؤازرته مهما كانت الظروف، وحتى في ظل الحظر الذي كان سائداً في بعض مباريات الموسم الماضي.
وأكثر ما تجلى هذا الأمر في كأس النخبة والسوبر عندما لعب دوراً بارزاً في انتزاع اللقبين، حتى بات يستحق وصفه باللاعب رقم واحد.
أما العامل الثاني، فهو يتجسّد في شخصية المدرب الروماني القدير تيتا فاليريو الذي فرض نظرية تفريخ اللاعبين دون الاعتماد فقط على اللاعبين الكبار، وأثبت صحتها من خلال نجاحه في البطولتين، عندما زجّ بمجموعة من العناصر الشابة أمثال مصطفى كساب وحسين شرف الدين ومحمد مرقباوي وحسن مهنا وماهر صبرا وقبلهم يوسف الحاج نجل اللاعب السابق جمال الحاج والذي ساهم في إحراز كأس لبنان على حساب «العهد».
كما أن فاليريو يملك رؤية ثاقبة في الملعب ولديه قدرة فائقة في الحكم على مستوى أي لاعب، لذا فضّل البحث عن بديل للتونسي رضوان الفالحي، لأنه لاحظ البطء في خط الدفاع، على الرغم من الدور البارز للفالحي في الموسم الماضي.
ولو قُدّر لفاليريو أن يستقدم أفضل اللاعبين الأجانب لما تأخر لكن ليس باليد حيلة، لأن ذلك يتطلّب أموالاً باهظة، لكنه أوعز الى الإدارة بضم حمزة سلامي والإبقاء على بشار المقداد، كما ساهمت الإدارة بإنجاز أهم صفقة بالتعاقد مع نجم المنتخب الوطني السابق يوسف محمد والمحترف اللبناني في البرتغال نادر مطر.
كما لم يتسرّع بإقصاء قائد الفريق عباس عطوي بل اعتمد عليه في تشكيلته الأساسية للاستفادة من خبرته، لكنه عمد الى إراحته في مباراة الصفاء الى جانب محمد شمص بعدما أيقن أن منسوب لياقته البدنية بدأ ينخفض.
وتردد أن فاليريو لم يعط جواباً واضحاً على ضم الغاني نيكولاس كوفي لا سلباً ولا ايجاباً، ربما لأن كوفي يلعب خلف المهاجمين وهو يريد تعزيز قوته الهجومية، لكنه لم يمانع كما كانت له الكلمة بالتعاقد مع السوري عبدالرزاق الحسين.
وحول صفقات الفريق يقول الأمين العام لنادي النجمة سعدالدين عيتاني أن ختامها كان مسكاً بانضمام اللاعب الدولي الخلوق يوسف محمد الذي رفض كل الإغراءات وفضل اللعب مع النجمة، مؤكداً أنه يشكل قيمة مضافة للفريق، من أجل المنافسة الجادة على جميع الألقاب، وخصوصاً كأس الاتحاد الآسيوي.
وشدّد عيتاني أن الهيئة الإدارية سعت جاهدة من أجل مصلحة الفريق التي تعتبرها فوق كل اعتبار، وأنها تنظر الى جميع اللاعبين من منظار واحد، آملة أن تبقى صورة الجمهور ناصعة كما اعتادت أن تراها، لا سيما في كأسي النخبة والسوبر، وهي تثمن هذه الخطوة، لأن له امتداده على مستوى الوطن.