واقعيّاً وفعليّاً، مشكلة لبنان الكبرى مصدرها تعدديّته التي تميّزُه ويتباهى بها عن سواه، وفي الوقت ذاته تشكِّل العنصر الأساسي في معظم الأزمات والحروب التي اجتاحته منذ الاستقلال "التام" و"الناجز" إلى يومنا هذا... حيث أصبح "كما خلقتني يا رب": لا رئيس جمهوريةّ. لا دولة. لا مؤسّسات. لا حكومة حقيقيّة. ولا مجلس نواب يقوم أعضاؤه بأكثر من قبض رواتبهم، وممارسة "هواياتهم" المتعدّدة في بحور الخدمة العامة.
وأزمة الزبالة، بفصولها المرئيِّة والخفيّة، أكبر شاهد ودليل على نشاط أعضاء المجلس المرشّح لتمديد إضافي لأعضائه الممدَّد لهم سابقاً لاحقاً...
كل الوضع اللبناني، كل المشكلة اللبنانيّة الحقيقيّة، كل ما يشكو منه اللبنانيّون منذ سنتين وثلاثة أربعة أشهر، محشور في زاوية الفراغ الرئاسي، الذي ليس في مقدور أي عُرَمْرَمي، أو أَيِّ تجمُّعٍ، تكتُّلٍ نيابي بشري، فكَّ أسره وإطلاق سراحه.
أمّا في ما يخصُّ الباقي من المشاريع الوهميَّة، والاقتراحات الوهميَّة، والاصلاحات الوهميّة، ومعالجات الأزمات والقضايا الوهميّة، أمّا هذا كلّه وما عداه، وسواه، فإنه لا يتعدَّى بـ"هوله" ملء الفراغ الفعلي بفراغ وهمي.
والحوارات التي لم تنتج منذ بدأت إلى أن عُلِّقت على رفٍّ أو صخرة أو نافذة، ليست بدورها سوى وهم لا يملأ حتى مجال الوهم. مثلاً، كي يحسبوا أن الهوى حيث تنظر...
مثلما ليس في إمكان حكومة كل وزير حكومة بحالها، أزمته معه ومعها، أن تجتمع إلاّ بعد موجاتٍ من تقبيل اللحى، والمساعي الحميدة، والوعود بتمرير ما لا يجوز قانوناً تمريره، ولا حتى إدراجه على جدول أعمال، كذلك الأمر بالنسبة إلى مجلس النواب، ووفقاً لجدول أعمال وهمي... في انتظار اكتمال النصاب لعقد جلسة انتخاب رئيس جمهوريّة غير وهمي: في يوم، في شهر، في سنة، سنتين إضافيّتين، الله أعلم.
كل النقارات السياسيَّة التي يعيشها لبنان الأخضر وقطعة السما تدور حول الاستحقاق الرئاسي، والمتعطّشين إلى الإقامة في قصر بعبدا حيث كان الرئيس ميشال سليمان آخر مُقيم في جنّة الحكم والسلطة والنفوذ... وما يتوق إليه بعضهم بحرقة قلبٍ وشوقٍ عظيمين.
ولكن، كما ورد في إحدى قصص ألف ليلة وليلة حول وجود الحسناء الخارقة الجمال في مكان مجهول وغير قابل للتحديد، داخل سبعة بحار، وسبعة حواجز، وسبعة أبواب، فسبعة حراس سود من ذوي القامات الفولاذيَّة... هكذا، على نحو هذه الصورة، هو وضع الاستحقاق الرئاسي المخطوف...
إلى أن يحضر من يُتقن فنون فكِّ ألغاز السحر، وفكِّ ألغاز السياسة الإيرانيّة.

إلياس الديري