بذلت إيران جهودا كبيرة للحدّ من استشراء الخلافات بين حلفائها السياسيين في العراق من الفرقاء الشيعة المتناحرين على السلطة في بغداد إلى المتخاصمين على الإرث الحزبي للزعيم جلال الطالباني في كردستان العراق.

وتجد إيران مصلحة كبرى في حماية العملية السياسية الجارية في العراق والتي كانت طهران ذاتها قد ساهمت مع واشنطن في إرسائها بالبلد بعد غزوه من قبل الولايات المتحدة وإسقاط نظام الرئيس الراحل صدّام حسين.

وتسيطر على الحكم في العراق أحزاب شيعية موالية لطهران بالاشتراك مع كتل سنية ضعيفة ومتصارعة في ما بينها بما في ذلك الكتل الكردية التي تضم في صفوفها حلفاء لإيران وخصوصا في الشقّ المحسوب على الزعيم التاريخي للاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني.

غير أنّ ما يقلق طهران هو الخلافات الكبيرة التي دبّت في صفوف حلفائها وحراس نفوذها داخل العراق شيعة وسنّة، عربا وأكرادا، ما يهدّد بضياع السلطة من أيديهم.

وخلال الأيام القليلة الماضية نجحت إيران بشكل متفاوت في المساهمة بتهدئة الأجواء المشحونة بين حلفائها العراقيين.

وبينما دفعت وساطات وضغوط إيرانية كبار قادة التحالف الشيعي الحاكم إلى التوافق على شخص عمار الحكيم زعيم المجلس الأعلى الإسلامي رئيسا للتحالف لمدّة عام واحد، فشلت الوساطات ذاتها في التقريب بين فرقاء الاتحاد الوطني الكردستاني المتنازعين على ترتيب شؤون الحزب في فترة ما بعد جلال الطالباني الغائب عمليا عن الساحة بفعل مرضه الشديد.

وكان نائبا الأمين العام لحزب الاتحاد الوطني، برهم صالح وكوسرت رسول ومعهما عدد من أعضاء المكتب السياسي واللجان القيادية، أعلنوا تشكيل مركز لتولي مسؤولية اتخاذ القرار في الحزب ورسم سياساته وتحديد رؤيته، تحت مسمى “مركز القرار” في تحدّ واضح لسلطة زوجة الطالباني هيرو إبراهيم أحمد والبعض من القيادات الواقفة في صفّها.

وتخشى إيران أن تزيد الخلافات داخل حزب الطالباني من إضعاف الحزب وتراجع دوره في إدارة الإقليم لتخسر بذلك حليفا مهما لها كان قد وقف معها منذ حربها ضدّ العراق في فترة حكم حزب البعث، كما تعوّل عليه في ضبط الأوضاع في محافظة السليمانية الواقعة على حدودها.

ما يهم إيران أن يبقى الصراع بين الأطراف الموالية لها في العراق تحت السيطرة مع الإبقاء على جميع الأطراف في حالة ضعف
ويفسّر ذلك جهود طهران لرأب الصدع داخل الاتحاد الوطني، والتي جرت بالتزامن مع جهود مماثلة للحدّ من الخلافات داخل التحالف الوطني الشيعي الحاكم في بغداد بعد أن بلغت مستوى يهدّد بتفجّره وتفكّكه.

وكان من ضمن نقاط الخلاف الكبيرة بين أقطاب التحالف -ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، والمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم، والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، وتيار الإصلاح بزعامة إبراهيم الجعفري- موقع رئاسة التحالف والذي استمر الصراع عليه لأكثر من عامين، قبل أن يحسم الإثنين بالتوافق على شخص الحكيم رئيسا لمدة سنة تسند بعدها رئاسة التحالف للمالكي.

وأكّدت مصادر عراقية مطّلعة على المفاوضات والاتصالات التي سبقت انتخاب الحكيم أنّ إيران لعبت دورا كبيرا في ذلك عن طريق سفيرها في بغداد حسن دانائي فر وعدد من أفراد طاقم السفارة من خلال زيارات واتصالات بزعماء وقادة التحالف الشيعي ومحاولة تليين مواقفهم من قضية رئاسة التحالف.

وذكرت المصادر ذاتها أنّ البعض من القادة المتصلّبين في مواقفهم، وتحديدا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، تلقوا إنذارا من السفير الإيراني بأن طهران لن تسمح بتفجير التحالف الوطني، وأنّ المسؤول المباشر عن ذلك سيتحمّل مسؤولية ما يحدث.

وتمتلك طهران نوعا من السلطة الأدبية على أغلب الزعماء العراقيين الشيعة، لكنها تمتلك أيضا أوراق ضغط كثيرة عليهم، بحيث لا يمكن لأحد منهم أن يتبوّأ مكانة مرموقة في السلطة دون دعم إيراني، ومن ثم خشية هؤلاء من رفع الغطاء الإيراني عنهم وحرصهم على استمراره.

ويلفت مراقبون إلى أنّ إيران التي ترعى العملية السياسية في العراق لا تخفي تدخلاتها في المراحل العصيبة التي تمر بها تلك العملية، مثلما حدث أثناء الصراع على منصب رئيس الوزراء، حين أصرت أطراف شيعية عديدة على عدم التجديد لنوري المالكي لولاية ثالثة.

ويومها حسمت طهران النزاع من أجل أن تحول دون تطوره إلى ما هو أسوأ. كذلك فإن إيران تدخلت بشكل مباشر حين شعرت أن في إمكان مقتدى الصدر أن يجر التحالف الوطني الشيعي إلى منزلق خطير من خلال تزعمه الحراك الاحتجاجي في الشارع، فاستدعت الصدر الذي أمر من جهته أعوانه بالانسحاب من الشوارع والتوقف عن التظاهر.

وما يهم إيران أن يبقى الصراع بين الأطراف الموالية لها في العراق تحت السيطرة بالقدر الذي يحقق حدّا أدنى من وحدتهم مع الإبقاء على جميع الأطراف في حالة ضعف. فإيران لا ترغب في أن يكون هناك طرف واحد قوي على حساب الأطراف الأخرى.

وبذات الاهتمام بإرساء حدّ أدنى من الوفاق داخل صفوف التحالف الوطني الشيعي قاربت طهران موضوع الخلافات داخل الاتحاد الوطني الكردستاني دون أن تصيب القدر نفسه من النجاح؛ حيث فشلت التحركات الإيرانية في رأب الصدع الذي شق صفوف الاتحاد.

ونُقل عن مصادر كردية قولها إنّ الوساطة العاجلة التي قامت بها طهران عبر سفيرها في بغداد حسن دانائي فر، قد فشلت بسبب رفض شقّ برهم صالح وكوسرت رسول مقترحا إيرانيا بأن تتولّى هيرو إبراهيم رئاسة “مركز القرار” الذي قرّر صالح ورسول إنشاءه، على اعتبار أن المقترح ينحاز إلى عائلة الطالباني.

صحيفة العرب