حينما تصدر الوسائل الإعلامية عنوان " إقرار مرسوم الإستملاكات لتنفيذ مشروع توسيع اوتوستراد جونيه – طبرجا"، قلّة من اللبنانيين تأملت خيراً أو تنفست الصعداء. ثمة من جزم بأنه لن يكون من أعمال ولا من يحزنون، بدليل ما آلت إليه الأمور في مشاريع كثيرة أخرى، بحيث رُصدت الأموال وأجريت المناقصات...وغاب التنفيذ. وثمة من اعتبر أن المشروع في حال تمّ البدء به فعلياً، فسينتهي به المطاف "معوّقاً" وربما معيقاً، نتيجة للفساد والإهمال المستشريين في هذه الدولة. إنها بطبيعة الحال، متلازمة انعدام الثقة بين المواطن ودولته. ولا حاجة للبحث في أسبابها، إذ يكفي التذكير بالوعود العابرة للزمن والحكومات والعهود الرئاسية!


لكن عموماً، بدا الرأي العام اللبناني محايداً، فلم يتفاعل بشكل ملحوظ لا سلباً ولا إيجاباً. ربما لأنه لا يتحرّك استباقياً، مفضلاً انتظار حلول المصاعب والمصائب حتى يثور. وربما لأنه بات يرى في مطلق أي قطعة من خشب، خلاصاً من الغرق اليوميّ في مستنقع الذلّ والغضب بسبب زحمة السير. وربما لأنه يحاول إبعاد "نظرية المؤامرة" عن تفكيره، رافضاً إطلاق الأحكام المسبقة، ومتمسكاً بأمل أن يتحقق ما وعد به المشروع من نتائج.

وهنا يُطرح السؤال: بماذا وعد هذا المشروع؟

في العام 2006، باشر المعنيون بدراسة جدوى مشروع توسيع أوتوستراد جونية من نهر الكلب إلى طبرجا، والتي خلصت إلى إضافة خط إضافي من كل جهة بحيث يصبح المسلك مؤلفاً من ثلاثة خطوط سريعة بعرض 11 متراً، مع طريق حيادية بعرض 5.5 امتار كخط خدمة أمام المحال التجارية مفصولة عن الأوتوستراد بجدار تتخلله معابر للدخول والخروج. وتقرر ترميم جسور المشاة وإعادة بناء أخرى وتطوير شبكة الإنارة وفواصل الطرقات...وبطبيعة الحال، يقتضي هذا المشروع إستملاك العقارات المُتاخمة للطريق من الجهتين. هذا كان في العام 2006، حيث كان عدد السيارات الموجودة في لبنان، بما فيها العابرة على هذه الطريق، أقلّ بكثير من عددها الحالي. آنذاك، كان يؤمل ويتوّقع أن تتحسن قدرة الأوتوستراد الإستيعابية بشكل ملحوظ.

في العام 2015، وبقانون معجل حمل الرقم 28 ، وافق مجلس النواب على إبرام عقد تمويل بقيمة 75 مليون يورو بين الحكومة اللبنانية والبنك الأوروبي للتثمير، في إطار ما يُعرف بـ "مشروع أوتوسترادات لبنان- المرحلة الثانية". وفي 30 حزيران 2016، أقرّ مجلس الوزراء أخيراً مرسوم الاستملاكات لتنفيذ مشروع توسيع الاوتوستراد، والذي حدّد مجلس الإنماء والإعمار قيمتها بـ 34 مليون دولار، وعليه لم يعد من مانع او معيق أمام الشروع في تنفيذه.

بحسب الخطة المطروحة، تشمل المرحلة الأولى البدء بعملية استملاك العقارات التي تمّ تحديدها بموجب مرسوم وتخمينها بشكل أوليّ، على أن تبدأ الأعمال، بحسب المتوقع، في حزيران 2017، ولا تنتهي قبل أربعة أعوام.

المشروع هدر للمال العام؟!

أحد المعارضين لهذا المشروع، لا سيّما بعد مراجعته وإجراء دراسة علمية تتطرق إلى شتّى جوانبه، هو البروفيسور في الإقتصاد، جاسم عجاقة. الخلاصة التي توّصل إليها تفيد بأن "هذا المشروع هو هدر للمال العام، كما أنه لن يكفي لتلبية حاجات المواطنين حينما يجهز".

يبدأ عجاقة حديثه لـ "لبنان 24"، بالتأكيد على أن "أزمة السير في لبنان هي مؤذية جداً ، إذ تكبّد الخزينة خسائر تقدر سنوياً بملياري دولار (لتأثيراتها على الساعات الإنتاجية للموظفين والشركات)، كما أنها تثقل كاهن المواطن بمصاريف وأعباء تتوّزع بين تكاليف المحروقات وصيانة السيارات وتصليحها، إضافة إلى انعكاساتها السلبية على صحته النفسية والجسدية (باعتقاده فإن ازدحام السير أحد أسباب الحوادث المرورية).

وعن المشروع المطروح، يرى عجاقة أنه سيصطدم بمعوقات أساسية أبرزها:

- اعتراض الناس بسبب زحمة السير التي ستتفاقم بشكل دراماتيكي في أثناء الأعمال، ذلك أن بديل الأوتوستراد المزمع طرحه هو الطرقات الداخلية والتي يصفها بشوارع صغيرة لا تحتمل مرور شاحنة عليها، ولا يمكن أن تستوعب أعداد السيارات التي كانت تجتاز الأوتوستراد!

- اعتراض التجار وأصحاب العقارات التي سيصار إلى استملاكها. يتخوّف عجاقة هنا من أن الأموال المرصودة للتعويضات لن تكون كافية، وهي مبدئية، مذكراً بأن من حق المالكين الإعتراض والمطالبة بتخمين ثان، فمن أين سترصد الأموال حينذاك؟ وعليه، يتحسس عجاقة رائحة صفقات ما، كما رائحة ظلم للبعض، لا سيّما وأن المؤسسات المخالفة لا يحق لها الحصول على اي تعويض.

وتجدر الإشارة هنا الى أن اصواتاً كثيرة ارتفعت في السابق من قبل أصحاب المحلات، معترضة على إنشاء خطّ منفصل عن الخطوط الثلاثة للأوتوستراد، باعتبار أن هذا الأمر قد يؤثر سلباً على أعمالهم.

هذه المعوقات وغيرها، برأي عجاقة قد تؤدي إلى التأخير في البدء بتنفيذ المشروع، وهذا ما سينعكس سلباً على سمعة لبنان أمام أحد أهم مصادر تمويل المشاريع، أي البنك الأوروبي للتثمير.

ولكن يفترض عجاقة ان كلّ الأمور سارت على خير ما يرام، وبدأ العمل بالأوتوستراد الذي لن يُنجز قبل العام 2020 أو 2021، سائلاً: هل ستحلّ أزمة السير؟ برأيه، فإن المشروع الذي تمّ وضعه في العام 2006، لم يأخذ في الإعتبار الزيادة في عدد السيارات والتي تُقدّر بـ50 ألف سيارة سنوياً، دون إحتساب سيارات النازحين السوريين والسيارات غير المُسجّلة. وعليه، فإن إضافة خط إضافي على الأوتوستراد، لن تؤدي الى اي نتيجة تذكر. يفترض عجاقة أيضاً أن السير قد يتحسّن، "لكن ماذا نفعل بالازدحام الذي يسببه؟

ما الحلّ؟

أحد الحلول التي يرى عجاقة أنها الأمثل، يكمن في إنشاء جسر بحري يربط طبرجا قرب كازينو لبنان ببيروت عند الكرنتينا. يبلغ طول هذا الجسر 15.74 كلم وعرضه 30 متراً وعلوه عن سطح البحر 10 أمتار، لكي يسمح للبواخر الكبيرة بالعبور. يحوي الجسر على خطين (ذهاباً وإياباً) مع 4 ممرات في كل اتجاه، حيث أن ثلاثة ممرات تكون للسيارات والرابع للتراموي أو للتوقف الإضطراري، ويتمتع بإكتفاء كهربائي ذاتي من خلال الطاقة الشمسية، ويستغرق إنجازه سنتين.

ويشرح عجاقة:" القادمون من طرابلس الى بيروت لن يضطروا الى المرور بجونيه وتستغرق رحلتهم من طبرجا الى الكرنتينا ربع ساعة، كما أن الوافدين من المناطق الجبلية مثل فاريا وغيرها سيمرّون عبر محوّل عند "لو رويال" ليصلوا الى الجسر، أما سكان جونيه فيجتازون الأوتوستراد الحالي. ووفق الحسابات، تمرّ 7500 سيارة في كلّ ربع ساعة على هذا الجسر (على الخطّ الواحد)، اي نصف السيارات في خلال 5 ساعات فقط!"

الحلحلة المرورية هذه ستنسحب حكماً على المناطق الداخلية كافة. المفاجأة أنها قد تقود الى الإستغناء عن انشاء جسر في منطقة جل الديب، واستبداله بنفق، ما يعني حكماُ تكلفة أقلّ، برأي عجاقة.

لماذا إذاً لا يتمّ تبني هذا الطرح القديم – الجديد؟

"يقولون ان تكلفته مرتفعة جداً. أنا أؤكد أن تكلفته لن تتخطى 750 مليون دولار، علماً أن بإمكان الدولة وضع تعرفة (ألف ليرة مثلاً) لكل سيّارة تعبر الجسر ما يسمح بتمويل أعمال الصيانة عليه. وهذه التعرفة لن تكون إضافية على السائق الذي سيوفّر أكثر من ذلك من تفادي زحمة السير، وما ينتج عنها من إستهلاك الوقود".

يتابع عجاقة:" يستحيل أن تقتصر كلفة توسيع الأوتوستراد على 70 مليون يورو فقط. باعتقادي لن تقلّ عن 300 الى 400 مليون دولار، وان نصل الى اي نتيجة ايجابية ومرجوّة".

لعلّ السؤال الأبرز الذي طرحناه على عجاقة يتعلق بالأسباب الكامنة وراء واقعنا الحاليّ المرير، وتحديداً في قطاع البنى التحتية والمشاريع، فأجاب بأن غياب الخطط والاستراتيجيات الوطنية هو أحد العوامل الأساسية (بما فيها النقل المشترك). سرعان ما يضيف: تتضافر عوامل اخرى هي: الجهل، الفساد، الإهمال.

ولكم أيها اللبنانيون، أن تحكموا. ولعلّه من المفيد التذكير بمشروع تنظيف 10 كلم من نهر الليطاني بكلفة 840 مليون دولار أميركي، دون أن "تُنغّص" هذه التكلفة "عيشة" أحد من المسؤولين والمعنيين!

لبنان 24