وما أدراك ما أيلول اللبناني هذه السنة ؟ ها هو قد حل والطبيعة شاءت ان تقلب آيته الريفية المأثورة " أيلول طرفو بالشتي مبلول " فاذا ببدايته مبلولة بالمطر الناعم ما كان يفترض ان يشكل نسائم ملطفة شبيهة برفوف الطيور المهاجرة التي ملأت سماء البقاع. ولكن حتى حين تجود الطبيعة على ارض ابتليت بمثل ما ابتلينا به من عطايا الأجاويد في السياسة تتحول النعمة الى نقمة. يحل هذا الايلول الذي يجري اسقاط وهج الترقب والتوقعات المغالية على مواعيده واستحقاقاته فيما تعود جبال النفايات ضيفا كريها يزحف بين الأحياء والمنازل على وقع الثرثرة الجوفاء الجارية في مجلس النواب حيث تتطاير عبقرية النقاش والصخب ومعها الفضائح والاتهامات ولا نتائج الا الوعد الثابت بأن خريفنا وربما الشتاء ايضا وما بعدهما لن يشهدا حلا لكارثة النفايات. لا يقف الامر هنا في اشهار الشهادات على اننا نرتع في الدولة المتقدمة أشواطا في السباق نحو احتلال المرتبة الاولى في لائحة الدول الفاشلة. اذ ثمة قوائم للكوارث المماثلة التي لا تعد ولا تحصى وليس المكان متاحا لسردها . ولكن ما يستوقفنا خصوصا عند مطلع أيلول ان بعضهم بدأ ينذرنا "بالمخيف الاكبر"، بتهديد الستاتيكو الحكومي او وقف الحوار وتعطيله او ما شابه. ومع الاحترام الشديد لكل هذه النزعات الديموقراطية ترانا مدفوعين الى التساؤل ماذا تراه سيتغير في أحوال اللبنانيين ان حصل مكروه، لا سمح الله، لحكومة أضحت منذ زمن طويل في موت سريري او اذا أصيب حوار عقيم بسكتة دماغية؟ الأطرف في ما شهدناه في الوقائع الاخيرة هو ارتداد التعطيل على المعطلين فباتوا يتحاربون بالاتهامات الطائرة فوق رؤوس الناس فيما هؤلاء في واد وهم في واد آخر. لعلكم لا تصدقون ان آخر هموم الناس الذين أغرقتهم السياسات بالأهوال هو ان تستوي حكومة مهلهلة لفرط ما امعن فيها العبث بمغانم زمن الفراغ انهاكا، أو انهم يأبهون لتسنيد حوار بالكاد يستفيق الناس انهم لا يزال شغالا. هذا اللغو الباهت بات لغة الافلاس السياسي، سواء على ضفة المعطلين للدستور والاستحقاقات التي صرعتها سياسات التعطيل او على ضفة العاجزين والمجرجرين ذيول الفشل عن مواجهة حقيقية لحماية بقايا الدولة. فلا حاجة والحال على ما امست عليه الى اصطناع مزيد من أوهام ومواعيد، كما يتعين على هواة التهديد بتحويل المواعيد الزهرية الى محطات تصعيدية الكف عن هذا الترف المستهلك لانهم يعرفون كما يعرف الجميع حدود اللعبة المرسومة بخطوط حمر لا قدرة لهم كما لسواهم على تجاوزها. ولعل ما سيميز أيلول 2016 فقط هو انه سيرمي الذعر في حسابات قوى العجز قاطبة، لان الوقت الداهم هو كالطبيعة، لا يحمل أمانا .

 

نبيل بو منصف