بداية أعتذر على الإطالة.
للوضوح والأمانة، كنت أنوي أن أنشر النص التالي منذ مدة ثم اتكاسل عن الكتابة، غير أن إقدام العزيزة نورهان على الإنتحار جعلني أحسم خياري بنشره، وذلك دون أن أسمح لنفسي أن أحلل أسباب إقدام نور أو نورهان أو حسن أو أنطوني أو غيرهم ممن كانوا ضمن دائرة الأصدقاء على الإنتحار، النص التالي لا يسبغ أي صفة على أحد.
قبل الرأي العلمي، رأيي الخاص هو أن نبتعد جميعاً عن الغوص في خصوصيات الآخرين، وأن ندرك أنه ليس من واجبنا البحث في الأسباب الشخصية والعائلية التي دفعت أي كان لإنهاء حياته، كما أن حبنا اللامتناهي للشخص لا يجوز أن يظهر وكأننا نبارك الخطوة ونعتبرها قراراً شجاعاً فنشجع الآخرين على الفعل دون أن ندرك، كذلك لايحق لأحد وصفه بالعمل الجبان. المسألة أعمق من شجاعة وجبن بكثير. كذلك أعترف أنني حاولت الإنتحار مرتين في مراهقتي، جبنت في الاولى وفشلت في الثانية.
علمياً، (وأسمح لنفسي بالنظرية العلمية كونها تقع ضمن دراستي) الإنتحار أنواع، الإنتحار المكتمل وهي أن ينجح الشخص في قتل نفسه، والإنتحار بمساعدة الغير أي assisted suicide والسلوك الإنتحاري المتمثل بإيذاء النفس في محاولة للإنتحار دون إلإنتحار الفعلي.
تتعدد أسباب الإنتحار، وتتدرج في الخطورة من الحزن العادي الى الفصام والهوس والهوس الإكتئابي، و الإضطرابات النفسية الحادة والمزمنة. كذلك قد يقدم شخص ما على الإنتحار في لحظة دخوله حالة متقدمة من الذهان العصبي حتى لو لم يكن يعاني من أي مشاكل نفسية متفاقمة، وهذه الحالة قد يسببها حدوث إشكال ولو بسيط مع أحد أفراد العائلة مثلاً متزامناً مع التعب الشديد أو الحزن المزمن أو المراحل الأولى من الإكتئاب العادي الذي قد يعاني منه أي منا، كذلك هناك إرتباط وثيق بين الإنتحار والألم الجسدي المزمن مثلاً.
كذلك الأمر تلعب الجينات الوراثية دوراً كبيراً في دفع الشخص الى الإنتحار، لذا لا يمكن أن نخلص جزماً أن المقدم على الإنتحار هو إنسان غير سوي أو ما شابه، عملياً كلنا مرضى وغير أصحاء، إذ تعرف منظمة الصحة العالمية مصطلح "الصحة" على أنها حالة متكاملة من السلامة الجسمانية والعقلية والإجتماعية، وليست فقط غياب المرض أو العجز
Health is a state of complete physical, mental and social well-being and not merely the absence of disease or infirmity.
يبقى الإشارة إلى نظرية تتبناها بعض مدارس علم النفس، خاصة أتباع مدرسة فونت (الرجل الذي فصل علم النفس عن علوم الفلسفة) المرتكزة على علم النفس المرتبط بالوعي، تقول هذه النظرية أن الإنتحار معدِ، أي أن تمجيد المنتحر وفعلته سيؤدي حتماً إلى إقدام آخرين على الفعلة في حال كانوا معرضين أو لديهم عوامل مساعدة. تقول النظرية أيضاً ان في دائرة معارف كل منتحر شخص سبقه الى الفعلة. 
علمياً تطول الدراسات وتتوسع، لكن الثابت أمر واحد، أنه من غير الممكن لأي كان أن يجزم في سبب الإنتحار سلباً أو إيجاباً، أو أن يدرك السبب الفعلي والحقيقي لإقدام أي شخص على الإنتحار المفاجىء، إذ أنه من غير الممكن الجزم بالدوافع في حال لم يظهر المنتحر أي سلوك إنتحاري سابق، أو لم يسبق له أن تقدم للحصول على مساعدة نفسية. لذلك من المفيد جداً ان تتوقف كل التحليلات الفارغة، ويتوقف معها التمجيد والمباركة والشجب والرفض. كل هذا لن يفلح في الوصول الى الحقيقة، أو أن يعيد فقيداً عزيزاً، أو أن يمنع تكرار الحادثة مع آخرين.
من رحل بصمت لن يعود، إصمتوا وتعايشوا مع الواقع الأليم والمرير. تذكروا الفقيد وإبتساماته الحلوة الهاربة من أحكامنا المسبقة، فلا تلاحقوه بها، لا كبطل ولا كجبان.
السلام لذكراك أيتها الجميلة #نورهان

 

عماد بزي عن الفيسبوك