تتّضح مع تقدّم الحرب على تنظيم داعش في العراق، ملامح الميليشيات الشيعية المسلّحة كقوّة رديفة للقوات المسلّحة العراقية منافسة لها في القوّة، وساعية في بعض الأحيان إلى الاستيلاء على دورها والحلول محلّها مستفيدة من النفوذ الواسع لكبار قادتها ومن دعم عدد من السياسيين المشاركين في السلطة.

وطفت المقارنة بين القوات النظامية العراقية والميليشيات الشيعية، الأربعاء، على السطح خلال استعراض عسكري لميليشيا بدر حضره قائدها هادي العامري الذي لم يتردّد في القول إنّ الميليشيا المذكورة “أصبحت أقوى من الجيش والشرطة العراقيين، وأنها حققت انتصارات رائعة في مختلف جبهات القتال وتمكنت من طرد عناصر داعش منها”.

وعبّر مراقب سياسي عراقي عن عدم استغرابه لمثل هذا التصريح قائلا “الغريب فعلا أن لا يطلق هادي العامري، وهو المرشح لقيادة العراق في المرحلة المقبلة، مثل تلك التصريحات التي يمكن اعتبارها مهينة للدولة”، مستدركا بالقول “لكن الدولة في العراق تم احتواؤها من قبل الميليشيات وهو ما يضع الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد فيلق القدس ضمن الحرس الثوري في أعلى السلم، يليه هادي العامري مرتبة”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “لقد تم حذف الجيش العراقي الوليد من المعادلة حين أذلته حكومة نوري المالكي من خلال إجباره على الرضوخ لمنطق الهزيمة في معركة لم تقع. وكان من نتائج تلك الهزيمة ظهور الحشد الشعبي الذي يقوده أمراء الحرب الطائفية وفي مقدمتهم العامري نفسه الذي لا يزال يحمل الجنسية الإيرانية”.

واعتبر أن ما صرح به العامري هو تمهيد للمرحلة المقبلة التي سيقودها العامري بنفسه ويكون الحكم كله للميليشيات تحت ذريعة إنقاذ العراق.

ويرتبط ظهور الميليشيات الشيعية بشكل علني في المشهد العراقي بفترة ما بعد الغزو الأميركي للبلد وسقوط نظام الرئيس الراحل صدّام حسين، حيث تسابق قادة شيعة ورجال دين وسياسة ومعارضون لنظام حزب البعث تربطهم جميعا علاقات وطيدة بإيران في تأسيس فصائل مسلّحة أو تطوير فصائل كانت تأسست قبلا في إيران وقاتلت إلى جانبها ضدّ الجيش العراقي خلال حرب الثماني سنوات على غرار ميليشيا بدر. كما تناسلت الميليشيات من بعضها البعض عبر الانشقاق وتأسيس فصائل جديدة تحمل أحيانا نفس الأسماء مع تعديلات بسيطة.

غير أنّ الميليشيات الشيعية التي مثلت طيلة العشرية الماضية مصدرا لتهديد الأمن ونشر الرعب في صفوف المدنيين بعمليات القتل والاختطاف والسطو واغتصاب الأرزاق والممتلكات، والتي كثيرا ما استخدمت في تصفية حسابات بين قادتها، دخلت مرحلة جديدة من التغوّل مع غزو تنظيم داعش لأجزاء واسعة من الأراضي العراقية في صيف 2014.

التمهيد للمرحلة المقبلة التي سيقودها زعيم بدر ويكون الحكم خلالها للميليشيات الشيعية تحت ذريعة إنقاذ العراق
وفتحت حالة شبه الانهيار التي شهدتها القوات العراقية وانسحاباتها المهينة أمام تنظيم داعش، المجال أمام الميليشيات الشيعية، لاحتلال مكانة مميزة في المشهد العسكري والأمني العراقي، حين انتظم عدد كبير من تلك الميليشيات ضمن ما بات يعرف بالحشد الشعبي الذي تأسس بفتوى دينية من المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، فيما سارعت إيران للدخول على الخطّ بتأطير تلك التشكيلات الطائفية ومدها بالمزيد من السلاح والمشاركة عبر خبراء عسكريين في تخطيط وقيادة معاركها ضدّ تنظيم داعش.

وبمواجهتها مقاتلي التنظيم المتشدّد، اكتسبت الميليشيات الشيعية قدرا من “المشروعية” رفعت من طموحات قادتها لتحويلها إلى قوات مسلحة رديفة للقوات النظامية.

وطرح في هذا الإطار سيناريو تحويل الميليشيات إلى “حرس ثوري عراقي” على غرار الحرس الثوري الإيراني، بينما ذهب البعض إلى الدعوة لإدماج مقاتلي الحشد الشعبي الذين يقدّر عددهم بأكثر من مئة ألف مقاتل ضمن القوات العراقية، بهدف اختراق تلك القوات من الداخل.

ولا ينظر قادة الميليشيات الشيعية بارتياح إلى عملية ترميم الجيش العراقي التي صادفت قدرا هاما من النجاح تجسّد في سلسلة الانتصارات الأخيرة على تنظيم داعش.

ويذهب الكثير من المراقبين إلى اعتبار عملية سحب الثقة من وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي من قبل مجلس النواب تمهيدا لإقالته من منصبه، جزءا من عمل قادة الميليشيات الشيعية والسياسيين المتحالفين معهم، على ضرب محاولات ترميم القوات المسلّحة العراقية مخافة أن تتحوّل لاحقا إلى قوّة قادرة على إنهاء فوضى السلاح وحصره بيد الدولة. وغير بعيد عن هذا السياق أوردت وكالة العباسية نيوز نقلا عن مصادر عسكرية وصفت بالمطلعة، أنّ رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي أحال قائد عمليات الفلوجة الفريق عبدالوهاب الساعدي إلى إمرة الإدارة في وزارة الدفاع استجابة لضغوط قيادات فصائل الحشد الشعبي، وأمر بالإفراج عن 30 عنصرا من الميليشيات الشيعية، كان الساعدي قد احتجزهم بعد ضبطهم وهم يسرقون بيوت النازحين المقفلة في مدينة الفلوجة ويسطون على محتوياتها.

والإحالة إلى إمرة وزارة الدفاع إجراء تنظيمي عسكري مؤقت لا يعني إقالة المشمول به، بل منعه من ممارسة مهامه لفترة محدّدة.

وقال العامري في كلمة له لدى حضوره استعراضا عسكريا لقوات بدر في قضاء الدور على بعد 30 كيلومترا من مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين بشمال العراق إنّ “منظمة بدر التي تشكل العمود الفقري للحشد الشعبي أصبحت أكبر قوة في العراق”، واصفا بالنشاز الأصوات التي تنادي بمنع ميليشيات الحشد الشعبي من المشاركة في معارك الحويجة بمحافظة كركوك والشرقاط بمحافظة صلاح الدين ومدينة الموصل مركز محافظة نينوى.

واستعرض العامري المعارك التي خاضتها بدر من جنوبي بغداد حتى قضاء الشرقاط وجبال حمرين وديالى، مؤكدا أنها كانت رأس الحربة والسهم في جميع المعارك التي خاضتها القوات العراقية وأنها هي التي أعادت الروح المعنوية لقوات الأمن العراقية.

وشاركت في الاستعراض، الذي خلا من أي تمثيل رسمي سواء من محافظة صلاح الدين أو من الحكومة المركزية ببغداد، قطعات من قوات بدر بتجهيزات عسكرية حديثة وبمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة.

صحيفة العرب