نورهان حمود. هل يمكنك أن تسمعي؟ نحن العالقين في هذه البلاد نريد أن نسألك كيف تسير الأمور بعد الموت؟ هل تشعرين بشيءٍ من الرجاء الآن؟ أخبرينا. نحن نحتاج إلى أملٍ ما وإن كان بعيداً. طمئنينا، كيف هو وجه الله؟ هل كان ينتظرك هناك حيث الأشياء مختلفة؟
 
نحن لا نعرف لماذا رحلت وكيف رميت نفسك من الطبقة الثامنة من منزلك في الصنائع، ولا نعرف القوة التي تجعل كائناً يفتح قبره وينام فيه. هناك قصصٌ كثيرةٌ تحكى. ربما تكون كلّها على خطأ. يقولون إنّ ظروفك كانت صعبة وإن مشكلاتك كانت أكبر من سنواتك العشرين، وأقسى من عينيك المشاكستين والطيبتين في آن. تقول إحدى صديقاتك إنك كنت تمرين بأزمة نفسية صعبة خلال الفترة الأخيرة وكنت تنامين كثيراً، وتبقين بمفردك لفترات طويلة، وكنت ترفضين التحدّث عما في قلبك.
 
لا شكّ في أن المنتحرين يملكون شيئاً لا يفهمه الآخرون، شيئاً يجعلهم يدفعون الحياة إلى فوق، لا إلى الأمام. هناك شيفرة لا يفكّها أحدٌ سواك.
يبدو وجهك أبيض جداً، يمرّ بين الصفحات الافتراضية، بين ما تكتبه الصحف وتنقله الشاشات، يبتسم بهدوء، وينتقل إلى صفحةٍ أخرى. كل أصدقائك حزانى، كل البلاد حزينة، حتى الطقس حزين، ونحن الذين لا نعرفك حزانى. نحسّ كلنا بالذنب، ربما كان بإمكاننا أن نحبّك أو أن نأخذك إلى البحر كما تمنيت قبل أن تغادري. ربما ليس الانتحار من القوة أبداً، وكلّ ما يكتب عن عظمة المنتحرين يبدو شعراً بلا قلب. وحدها الأحزان الكبيرة تمسك أعناق الناس وتجعلهم يفعلون ما لا يُفعَل.
 
قبل أيامٍ كنت تسمعين أغنية «the end» وكتبت على «فايسبوك»: «الآن أكثر من أي وقت». ثمّ رحلتِ. لم يكن رحيلاً سريعاً، بل كان مدروس الخطوات. كنت تحاولين تحضير الذين يحبونك، أو ربما أردت أن تستغيثي أو أن تطلبي النجاة قبل أن تقفلي الحقيبة نهائياً ومعها سرّك.
 
يقولون إنك كنت «ثورجية» وإنك كنت أول المشاركين في التظاهرات وتحرّكات المجتمع المدني. أترى يئست من هذه البلاد وممّا فيها من جدرانٍ موصدة، وكنتِ شهيدة كل أوجاعنا نحن الذين ما زلنا فقط نتنفس؟
السفير