منذ تمدده في العراق وسوريا قبل أكثر من عامين، كان تنظيم داعش المتشدد بوابة القوى الدولية واللاعبين الإقليميين لتنفيذ أجنداتهم الخاصة تحت شعار "مكافحة الإرهاب" والتصدي للجماعات المتشددة.
وتركيا كانت آخر الدول التي انضمت إلى ركب المستفيدين من "شماعة" محاربة داعش بسوريا، لتبرير دخول قواتها إلى شمال البلاد التي تشهد منذ 2011 نزاعا مسلحا أسفر عن مقتل أكثر من 270 ألف شخص.

وبعد ساعات قليلة على إطلاق عملية "درع الفرات" التي قالت أنقرة إنها تهدف إلى تحرير مدينة جرابلس السورية الحدودية من داعش، أطل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ليعلن أن للحملة أهدافا أخرى.

وهدف العملية العسكرية ليس إلا تصدي أنقرة لتمدد القوات الكردية على حدودها الجنوبية، حسب تصريحات أردوغان والمعطيات على الأرض التي كشفت عن انخراط القوات التركية الخاصة بقتال ضد القوات الكردية.

وفصائل من المعارضة السورية المدعومة من قوات تركية خاصة كانت توغلت الأربعاء في شمال سوريا، سارعت، بعد انتزاع السيطرة على جرابلس غربي نهر الفرات، إلى شن هجمات لطرد الأكراد من مناطق عدة.

وتركيا التي سبق أن استغلت عنوان محاربة التظيم المتشدد لنشر قوات خاصة في محافظة نينوى العراقية، ليست الدولة الأولي التي تستخدم هذه الذريعة لتنفيذ سياستها التوسعية في المنطقة.

وإيران كانت السباقة إلى استغلال داعش لإحكام قبضتها العسكرية وتوسيع نفوذها السياسي في العراق، وضرب مؤسسات الدولة عبر تهميش الجيش والقوات الأمنية لصالح ميليشيات الحشد الشعبي المرتبطة بطهران.

وظروف ظهور التنظيم المتشدد في العراق، أثارت شكوك مراقبين بشأن دور "مشبوه للمخابرات العراقية والإيرانية"، لاسيما أنه معظم قياداته نجحت في الخروج من السجون العراقية على أثر عملية فرار جماعي مشبوهة.

وتمدده عام 2014 في المحافظات ذات الأغلبية السنية التي كانت يومها تشهد مظاهرات شعبية سلمية ضد التهميش في عهد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، جاء بعد انسحاب مباغت وغامض للقوات العراقية.

ورغم أن تقارير لجان تحقيق برلمانية حملت المالكي مسؤولية انسحاب الجيش من هذه المحافظات، وعلى رأسها نينوى والأنبار وصلاح الدين وكركوك، فإن الرجل الذي يعد أحد أبرز رجال طهران لم يتعرض للملاحقة القانونية.

وفتح هذا التمدد الباب للنظام الإيراني للتحكم أكثر في مفاصل السياسة العراقية، وبات زعيم ميليشيات فيلق القدس الإيرانية، قاسم سليماني، صانع القرار السياسي والعسكري تحت ذريعة قيادة عمليات محاربة داعش.

وتحت هذه الذريعة، أطلق سليماني رصاصة الرحمة على مؤسسات الدولة الأمنية، بعد أن ساهم في ظهور ميليشيات الحشد الطائفية التي تحولت إلى القوة العسكرية الأبرز في بلاد أنفقت مبالغ ضخمة على الجيش.

واللافت أن إيران، التي تعتبر الولايات المتحدة العدو الأبرز، وتصفها "بالشيطان الأكبر"، لم تجد حرجا في التنسيق مع القيادة العسكرية لواشنطن، التي تقود التحالف الدولي ضد داعش، خلال عمليات عدة بالعراق.

وكما فتح داعش البوابة العراقية على مصراعيها لإيران، ساهم أيضا في تمدد قوات البشمركة من خارج إقليم كردستان العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي، لمحاربة التنظيم وطرده من المناطق التي سقطت بقبضته.

ونجحت القوات الكردية في السيطرة على مناطق عدة كانت في السابق محط خلاف بين أربيل وبغداد، لاسيما في كركوك الغنية بالنفط، حيث باتت "شركة نفط الشمال" تحت السيطرة الكاملة لحكومة إقليم كردستان.

وفي سوريا يتكرر المشهد العراقي، حيث باتت السيادة مستباحة جوا وبرا من القوى الدولية والإقليمية والقوات المحلية تحت ذريعة محاربة التنظيم المتشدد، الذي خسر بعض مناطقه بشكل مفاجئ.

وإيران التي تزرعت منذ مطلع 2012 بزرائع عدة لتبرير تدخلها بالنزاع إلى جانب نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، عبر الدفع بميليشيات حزب الله اللبنانية، وجدت بعد ذلك، في داعش ومحاربة الإرهاب، عنوانا أكثر جاذبية.

وحزب الله المرتبط عضويا بالولي الفقيه الإيراني كان في البداية يبرر انخراطه بالنزاع السورية تارة بحماية المقامات الدينية وطورا بالدفاع عن الشيعة بسوريا، قبل أن يرفع شعار التصدي للإرهابيين وشن حرب استباقية.

وعليه، دفع الحزب، المصنف جماعة إرهابية، بمزيد من مقاتليه إلى سوريا وسط إقحام إيران أيضا قواتها وميليشيات أفغانية وعراقية في المواجهات ضد فصائل من المعارضة المسلحة، متناسية خوض معارك مع داعش.

فإيران وميليشياتها هاجمت المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وحاصرت المدنيين وجوعتهم وقصفتهم، وتمادت في إفراغ مدن عدة من سكانها، على غرار ما شهدته أخيرا مدينة داريا في ريف دمشق وأحياء حمص القديمة.

ولم تخض الميليشيات مواجهات جدية مع داعش باستثناء بعض المعارك النادرة التي فرضتها ظروف ميدانية، تخالف أجندة إيران الطائفية والتوسعية الرامية لتغيير ديمغرافية سوريا وإبقاء خط طهران بغداد دمشق بيروت مفتوحا.

والأسد الذي دكت طائراته ومدفعيته مناطق سورية بأسرها تحت ذريعة محاربة الإرهابيين لم يكتف بالدعم الإيراني، بل استقدم الطائرات الروسية التي وجدت أيضا في شعار التصدي للإرهاب عنوانا لتنفيذ أجندتها بالمنطقة.

وخلف الروسي والإيراني والتركي، تقف الولايات المتحدة التي شنت حربا ناعمة على داعش في العراق وسوريا، لم تنجح بعد أكثر من عامين، في القضاء على هذا التنظيم.

وفي حربها على الإرهاب، لجأت واشنطن أيضا للورقة الكردية، فكما دعمت قوات البشمركة في العراق بالخبراء والسلاح، ساندت وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، بدءا من معركة كوباني وليس انتهاء بتحرير منبج.

والقوات الكردية نجحت بذريعة ضرب داعش في الانتشار في مناطق واسعة شمالي سوريا على الحدود التركية حيث أعلنت الحكم الذاتي، وحاولت وصل مناطقها من غربي دجلة على الحدود العراقية إلى أقصى الغرب.

ويبدو أن القوى التي تجاهر بخلافاتها بشأن ملفات عدة على الساحة الإقليمية والدولية، اتفقت على أن الممر الوحيد لتنفيذ أجندتها رفع شعار محاربة داعش، على أن يدفع العرب وحدهم الثمن، من دمائهم واستقرار بلادهم.

سكاي نيوز عربية