ما يقوله وزير الداخلية نهاد المشنوق لا يمر مرور الكرام. فالوزير المنتمي سابقا الى فئة صقور المستقبل والمصنف لاحقا منذ توليه الوزارة في محور المعتدلين، العضو الأبرز في وفد المستقبل الى الحوار مع حزب الله، يحسب كلامه جيدا ويجري التعاطي مع ما يقوله على أنه يعكس موقفا ومؤشرا، أو على الأقل يعكس مزاجا سياسيا عاما في تيار المستقبل، وحيث يبدو أن المزاج في هذه المرحلة «متعكر ومخربط».

قال الوزير نهاد المشنوق، في خلال حفل تكريم المفتي عبد اللطيف دريان، إن «ما يسمونه سرايا المقاومة، وكنا نسميها سرايا الفتنة، باتت سرايا احتلال».

أوساط سياسية مطلعة لا تأخذ كلام المشنوق على «محمل التصعيد» ولا تعتبره مؤشرا الى مرحلة توتر وتأزم إضافي، وإنما تخفف من وقعه السلبي وتضعه في الإطار السياسي التالي:

1 ـ ثمة دوافع وأسباب شخصية وذاتية وراء كلام المشنوق الذي يواجه ضغوطا واتهامات سياسية من داخل المستقبل آخرها أنه من يقود المحور «الأقلوي» الداعي الى تأييد خيار عون لرئاسة الجمهورية. 

والوزير المشنوق المتهم بمسايرته ومراعاته لحزب الله ودفع ثمن ذلك من رصيده داخل المستقبل، استفزه الكلام الصادر عن قائد سرايا المقاومة (مقابلة خاصة مع «الأخبار») ولم يكن بإمكانه السكوت عنه وتجاهله، فاختار أن يرد في احتفال ذي «طابع سني» على أنه المكان الأنسب، ولكن كلامه لم يصدر في التوقيت الأنسب.

٢ ـ الكلام التصعيدي الصادر عن المشنوق ليس هو الأهم، وإنما الكلام «التسووي» الذي ورد في الخطاب نفسه وقال فيه: «إننا كنا وما زلنا طلاب تسوية، لكننا نرفض أن تكون التسوية اسما حركيا لأمرين هما الاستسلام أو الانتظار، ولن نقبل لحظة أن نكون تيار استسلام سياسي ولا تيار انتظار سياسي، ونحن تيار قرار»، متسائلا: «أليس الأولى أن نتصالح كلبنانيين ونعقد التسويات بيننا بما يحفظ الكيان والنظام وأهل النظام وأهل الوطن؟». هذا الكلام الذي يعكس رغبة الدخول في التسوية هو الذي يعكس الموقف الفعلي للمشنوق، وأما الكلام الآخر التصعيدي فهو للتغطية على عملية التقدم نحو التسوية في مواجهة ما يتعرض له من إطلاق نار سياسية من داخل المستقبل.

٣ ـ تيار المستقبل لديه رغبة أكيدة في الاستمرار في الحوار الثنائي مع حزب الله ولا نية لديه بقطع هذا الحوار ووقفه. فهامش الخيارات المتاحة أمام المستقبل هو هامش ضيق للغاية وليس لديه حاليا إلا خيار الاستمرار في وضعية الانتظار والستاتيكو الحالي وفي أساسه استمرار الحكومة التي تسقط عندما يسقط حواره مع حزب الله.

٤ ـ في المقابل ليس لدى تيار المستقبل القدرة على اتخاذ القرار الرئاسي الصعب ولا يتمتع بـ «جهوزية سياسية». ولذلك فضل الرئيس سعد الحريري الانسحاب من المشهد السياسي الى إجازة طويلة بعدما جرى الترويج لعملية «تصويت أو استمزاج رأي» داخل كتلة المستقبل جاءت نتائجها بأكثرية واضحة ضد تأييد العماد عون للرئاسة. وأراد الحريري بذلك إظهار ما يواجهه من ضغوط داخلية.

٥ ـ حزب الله يتابع النقاش الحاد داخل تيار المستقبل في شأن عرض أمينه العام، والذي يعكس برأيه وضعا داخليا مأزوما وانقساما بين ثلاث وجهات نظر: واحدة تدعو الى السير بهذا العرض حتى لو كان «مرا وسيئا» لأن الآتي من العروض سيكون «أمر وأسوأ» استنادا الى مسار التطورات في المنطقة وتبدل ميزان القوى على الساحة السورية.. ورأي ثانٍ داع الى رفض العرض لأنه بمثابة استسلام لحزب الله والدخول في مغامرة غير مضمونة النتائج تكرر تجربة الرئيس رفيق الحريري مع الرئيس إميل لحود، وتحمل نتائج هذا الرفض حتى لو أدى للدخول الى مواجهة.. وهناك رأي ثالث يدعو الى البقاء في هذه الوضعية القائمة منذ ثلاث سنوات، أي منذ قيام حكومة تمام سلام وشغور رئاسة الجمهورية، وهي وضعية انتظار وكسب وقت الى حين اتضاح مسار ومصير الأوضاع الإقليمية لاسيما على الساحة السورية، وحيث تتزايد المؤشرات الى بداية العد العكسي لانتهاء الحرب الكبيرة والانتقال الى مرحلة الحلول والتسويات التي تتبلور بعد انتخاب الرئيس الأميركي الجديد.

٦ ـ حزب الله يأخذ علما بهذا النقاش الداخلي في تيار المستقبل الذي هو علامة أزمة وارتباك أكثر مما هو علامة عافية وامتلاك لزمام المبادرة.. ولكن قيادة الحزب تنتظر الموقف الرسمي الذي سيصدر عن الرئيس سعد الحريري الذي لم يحزم أمره ويواجه صعوبة في اتخاذ القرار الواضح والنهائي.

 

الانباء الكويتية