ظهرت أدلة جديدة تشير إلى أن اللاجئين من جميع أنحاء العالم والذين انتهى بهم المطاف في المخيمات اليونانية، يقعون ضحية لجرائم الدعارة، وتجارة المخدرات، وتهريب البشر التي تمارسها عصابات المافيا التي ترى في هؤلاء المهاجرين فريسة مثالية لهذه الأعمال.


تفاصيل هذه الحالة المقلقة والقائمة في العديد من المخيمات تأتي بالتزامن مع إعلان الحكومة اليونانية عن اجراءات وتدابير عاجلة للتعامل مع الأزمة، إثر الانتقادات التي وجهت لها بعدما كشفت صحيفة "غارديان" البريطانية عن اعتداءات جنسية في مخيمات اللاجئين الأسبوع الماضي (الأسبوع الثالث من آب 2016).

وقالت الحكومة إنها ستقيم أربعة مراكز جديدة للاجئين، سعياً منها لتخفيف حالة الازدحام الخانقة الحالية، والتي تعد مصدراً رئيسياً للتوترات داخل المخيمات، وفقا لتقرير لصحيفة "غارديان" البريطانية.

من جانبهم، قال عاملو الإغاثة إن 58 ألفاً من المهاجرين وطالبي اللجوء في اليونان أصبحوا مستهدفين بشكل متزايد من جانب عصابات المافيا اليونانية والألبانية، بجانب الحكايات التي تنتهي عن اختراق المجرمين للمخيمات لتجنيد واستقطاب النساء والرجال.

كارثة كبرى


"إذا لم تتخذ خطوات لتحسين نمط حياة اللاجئين واستغلال وقتهم بشكل أكثر فاعلية، فأنا أرى كارثة كبرى قادمة"، هكذا حذرت نسرين أباظة، وهي عاملة إغاثة متطوعة أميركية الجنسية في أول مخيم بتمويل خاص والذي يحمل اسم إيلبيدا خارج مدينة سالونيك.

وأضافت أباظة قائلة: "هذه المخيمات هي أرض خصبة للإرهاب والعصابات والعنف. يبدو أن العالم قد نسيهم، اللاجئون ليسوا في صدارة عناوين الأخبار حالياً، لذلك فهم غير موجودين.. ولكن الإهمال سيُظهِر الصورة القبيحة".

ومع وجود 55 مركزاً للاجئين في أنحاء البلاد، ومن بينها المراكز الأهم في جزر بحر إيجة المواجهة لتركيا، أصبحت اليونان على نحو فعال بمثابة مكان انتظار ضخم للاجئين منذ أن أغلقت دول الاتحاد الأوروبي ودول البلقان حدودها لمنع دخولهم مطلع عام 2016.

وبشكل سري، أعرب الكثير من المسؤولين اليونانيين عن قلقهم من الأعداد المتزايدة من اللاجئين وسط المؤشرات المثيرة للقلق من أن يتسبب الاتفاق الموقع بين أنقرة والاتحاد الأوروبي منذ خمسة أشهر في أن يكون ذلك التدفق المحكم للاجئين هو على وشك الانهيار.

الانقلاب التركي

وعلى الرغم من أن المعدلات أقل بكثير من الصيف الماضي -حين كان يصل 10 آلاف شخص إلى جزيرة ليسبوس يومياً- تزايدت أعداد الوافدين بشكل ملحوظ منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في شهر تموز 2016. وخلال 24 ساعة بين يومي الخميس والجمعة الماضيين 18 و19 آب2016، وصل 261 لاجئاً ومهاجراً إلى الجزيرة، وهو تقريباً ضعف الرقم الطبيعي.

وبسبب عدم قدرتهم على التحرك، تسيطر حالة من الاحباط على آلاف المحاصرين العالقين حالياً في طي النسيان.

وعلى خلفية عدم اليقين وحالة الغضب بسبب تأخر عملية اللجوء، يقول المهاجرون الذين تقطعت بهم السبل أنهم أصبحوا فريسة سهلة للمجرمين بمجرد وصولهم.

"لم أكن أعرف شيئاً على الإطلاق عن المخدرات، والآن أنا أتعاطاها بالفعل"، هكذا قال شاب سوري يبلغ من العمر 17 عاماً، وهو محتجز في معسكر كان من قبل مصنعاً لمناديل المرحاض على مشارك مدينة سالونيك. ويضيف: "المخيم بشع للغاية. نحن نعيش كالحيوانات في خيام تحت أشعة الشمس الحارقة".

ويرى الشاب أن المخدرات أصبحت السبب الرئيسي للعنف وفي الشجارات التي تنشب بشكل متكرر، إذ يقول: "المافيا اليونانية والألبانية تأتي إلى هنا وتنشر المخدرات"، وأوضح أنه يمول حصوله على المخدرات من خلال التسلل بصورة غير مشروعة وشراء كميات من السجائر وبيعها في المخيم، ويضيف: "الشرطة غير موجودة. هم يرون المخدرات، والطعنات، والشجار، ولا يفعلون شيئاً. هم لا يبالون، العالم بأكمله لا يبالي".

وتأتي تلك الشهادة، والتي تدعمها مجموعات حقوق الإنسان التي أعربت عن أسفها للحالة غير الإنسانية والمروعة لمراكز الاحتجاز اليونانية، بعدما أعلن الاتحاد الأوروبي في نيسان 2016 عن تمويل قيمته 83 مليون يورو لتحسين الظروف المعيشية للاجئين في اليونان، في الوقت الذي حصلت فيه وكالة الأمم المتحدة للاجئين والاتحاد الدولي للصليب الأحمر وستة منظمات دولية أخرى على الجزء الأكبر من هذا التمويل.

يُذكر أن اليونان قد تلقت بالفعل 181 مليون يورو كمساعدات للتعامل مع الأزمة من جانب بروكسل.

حالة متردية


ويرى كريستون ستيليانيديس، مفوض الاتحاد الأوروبي المسؤول عن المساعدات الإنسانية وإدارة الكوارث، أن الإعلان عن هذا الدعم الطارئ هو مثال حقيقي على تعامل الاتحاد الأوروبي مع الأزمات التي تمر بها القارة، إذ يقول "علينا أن نستعيد ظروف الحياة الكريمة للاجئين والمهاجرين في أوروبا في أسرع وقت ممكن".

ولكن بعد مضي أربعة أشهر، ومع ظهور مزاعم حول اعتداءات جنسية وأنشطة إجرامية في المخيمات، تزداد الأسئلة من جديد حول ما إذا كانت تلك الأموال قد أديرت بطريقة صحيحة أم لا، ويضاف إلى ذلك الحالة المتردية للمخيمات وعدم وجود حماية من الشرطة، وهو ما يسلط الضوء على ما إذا كانت المنظومة الإنسانية تقول بعملها من الأساس.

يقول أميد خان، أحد الممولين وفاعلي الخير ممن ساهموا في تأسيس مخيم إيلبيدا، في تصريح لصحيفة "غارديان" البريطانية: "لا يوجد أي تركيز على الجانب الإنساني، ما يهمهم هو الأرقام".

وتأسس مخيم إيلبيدا محل مصنع سابق أيضاً بالقرب من مدينة سالونيك، ويتضمن المخيم غرفة للشاي ومركزاً لليوغا، وهو ما يمثل مبادرة رائدة تشجع اللاجئين على التعامل مع المخيم كمنزل لهم. وفي شهر واحد مضى منذ افتتاح المخيم، نال المخيم الكثير من الاستحسان باعتباره أكثر مراكز اللاجئين إنسانيةً في اليونان.

وأعرب خان عن أسفه قائلاً: "لا أحد هنا يستخدم المال بكفاءة وفاعلية. نظام المساعدات الإنسانية هو ذاته الذي كان موجوداً وقت الحرب العالمية الثانية، ما زال يفتقر للمرونة الفكرية وهو معطل تماماً. السؤال الحقيقي الذي يجب أن يسأل هو: هل استُخدِمت المساعدات التي قُدِمت بالصورة المناسبة؟".

(Huffington Post - The Guardian)