طعنة جديدة تلقتها منال العاصي ومعها حقوق النساء في لبنان بعدما اتخذت النيابة العامة الاستئنافية موقف الحياد في قضيتها، فصمتت عن طلب تمييز الحكم الصادر عن المحكمة الجنائية في حق زوجها محمد النحيلي الذي راعى شعوره وغضبه مانحاً إياه "أقسى" عقوبة مخففة. في الأمس سقطت العدالة في نظر كل امرأة تتعرض خلف جدران منزلها للتعذيب من زوجها او شقيقها او والدها أو اي ذكر أجبرتها الحياة ان تعيش تحت جناحه فكسر أجنحتها.
أعمت النيابة الاستئنافية بصرها عن دموع أمهات ثكلى حرمن من بناتهن، وأولاد حرمن من أمهاتن على يد اشباه رجال يراعى شعورهم في لبنان فيحاكمون بمواد قانونية منتقاة بعناية للوصول الى أقل عقوبة يمكن فرضها على المجرمين، لا بل لا مشكلة من اعادة احياء مواد ألغيت اذا كان ذلك يخدم قاتلاً تفنّن في تعذيب زوجته ساعات على مرأى من أمها وأشقائها. قد لا يكون العتب على القضاء فقط الذي لم ينصف منال حتى الآن ومعها جميع النساء، فقبله غرزت عائلتها خنجراً في جثتها بعدما أسقطت الحق الشخصي في قضيتها.


أيام فاصلة
ملف منال ومعه أوجاع النساء انتقل إلى النيابة العامة التمييزية حيث سيبتّ فيه النائب العام التمييزي القاضي حمود خلال مهلة لا تتعدى الشهر الواحد ابتداء من أمس. أيام فاصلة في تاريخ حقوق المرأة تنتظرها اللبنانيات، فإما فتح باب العنف من خلال التساهل مع الجناة أو وضع حد لكل من تسوّل له نفسه تعنيف النساء. جمعية "كفى" التي واكبت قضية منال داعية الى وقفتين تضامنيتين امام قصر العدل كوسيلة ضغط لينال القاتل عقابه من سنوات السجن جزاء فعلته، نعت العدالة بالقول "اليوم، لم نستطع أن نزفّ عليكم/ن خبر تحقيق العدالة لامرأة قُتلت بأفظع الطرق وأشنعها. هذا الحكم أثبت كم أن حياة المرأة رخيصة بنظر بعضهم/ن، واتّضح أن مفهوم "الشرف" الذكوري البالي لا يزال أغلى منها!".


أسباب عدة للتمييز
الأسباب التي تستند إليها المحكمة الاستئنافية لتمييز الحكم شرحها المحامي صالح المقدم لـ"النهار" إذ قال: "تحدد المادة ٢٩٦ من قانون أصول المحاكمات الجزائية أسباب التمييز في القضايا الجنائية وهي محددة حصراً "اذا صدرَ الحكم عن هيئة لم تشكلْ وفقاً لأحكام القانون ولمخالفة القانون او الخطأ في تفسيره او في تطبيقه وايضاً في مخالفة قواعد الاختصاص او حالة إغفال الاصول المفروضة تحت طائلة الإبطال او الإخلال بالقواعد الجوهرية في المحاكمة أو حالة الحكم بفعل جرمي يتناوله قرار الاتهام او في حق شخص لم يتهم فيه وعند حالة عدم البت في دفع او سبب دفاع او طلب تقدم به احد فرقاء الدعوى او الحكم بأكثر مما طلب وايضاً يقبل التمييز عند عدم تعليل الحكم او التناقض بين تعليله وبين الفقرة الحكمية او التناقض في الفقرة الحكمية ذاتها وحالة تشويه الوقائع أو المضمون الواضح للمستندات المبرزة في ملف الدعوى وفي فقدان الأساس القانوني يقبل ايضاً التمييز وعند الأحكام القاضية بالإعدام". وأضاف "في حال عدم تمييز الحكم لا تقدم المحكمة الاستئنافية أسبابها لعدم الإقدام على هذه الخطوة".
من جانبها لفتت المحامية في "كفى" ليلى عواضة أن "الجمعية في قضية منال تستند إلى الخطأ في تفسير القانون وتطبيقه، ويا للأسف أملنا يتضاءل بالتمييز بعد عدم بت المحكمة الاستئنافية في الامس بالطلب لكن لن نقطع الامل وسننتظر ما سيصدر عن النيابة التمييزية". واضافت "سنضغط بكل الوسائل ونعمل في كل الاتجاهات لآخر لحظة حتى يأخذ القاتل جزاءه المستحق".


بين الحق العام والحق الشخصي
لكن ماذا عن إسقاط عائلة منال الحق الشخصي، أجابت عواضة "حتى لو لم تسقط عائلة العاصي الحق الشخصي، ليس لهم الحق في تمييز الشق الخاص في العقوبة بل الشق الخاص بالتعويضات، فعقوبة الحبس هي استجابة للحق العام للدولة والمجتمع، ونحن نطلب تمييز سنوات السجن". في حين أوضح المقدم ان "الحق العام هو حق المجتمع من المجرم أو المتهم وليس حقاً شخصياً من المجنى عليه. فالحق الشخصي والتراجع عنه لا يسقط الحق العام ولكن يكون للقاضي استنسابية أوسع في تطبيق القانون وتالياً عادة ما تخفض الأحكام عند التراجع من الادعاءات الشخصية". وتابع "يلاحظ ان الادعاء العام قد استبدل مواد الاتهام من القتل عمداً، والتي تصل عقوبتها الإعدام، الى القتل من غير قصد ما يعطي المحكمة استنسابية أعلى في تخفيض العقوبة ما ان وصلت الى خمس سنوات. إذاً، وبرأيي، تكون المحكمة قد اخطأت في تطبيق النص القانوني وأعادتنا الى الالتفاف على قانون جرائم الشرف التي الغيت منه بموجب قانون عام 2011 المادة التي كانت تعفي الجاني من العقاب في حالات جرائم الشرف".
أما عواضة فختمت "اذا كان القضاء ينظر بإجلال الى الغضب بداعي الشرف ومتأثراً بالافكار الاجتماعية التي تضلل الأحكام، فكيف نحاكم عائلة منال التي تنتمي إلى هذه البيئة التي تعتبر اتهام الفتاة بأمر كهذا... عار"!