خلافاً للتوقعات والاجتهادات بأن الطريق أصبحت ناضجة للحلول الرئاسية، فإن مصادر وزارية وأخرى نيابية في ما يمكن وصفهم بالمستقلين أو المرتبطين بفريق 14 آذار، ترى ان لا شيء في المدى المنظور، لا على صعيد انتخابات رئاسة الجمهورية، ولا على صعيد قانون الانتخاب، مشيرة إلى ان كل ما هنالك ان الرئيس نبيه برّي يحاول ضخ أجواء إيجابية، فيما الحقيقة وواقع الأمور يجانبانه.
وإذا كانت السياسة تعني ان لا شيء مستحيلاً، فإن الكلام عن إمكان انتخاب الرئيس من الآن إلى رأس السنة الجديدة، يبقى مجرّد تمنيات، باعتبار انه غير مبني على وقائع سياسية ثابتة، طالما ان التطورات الجارية، سواء في الإقليم أو في الداخل لا تنبئ بحدوث تطوّر إيجابي يمكن ان ينعكس إيجاباً على صعيد إنهاء الفراغ الرئاسي، اللهم الا إذا كان التفاؤل الذي عبر عنه الرئيس برّي قبل أيام، ومن بعده رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمّد رعد يستند إلى ما يضخه الحلف الروسي - الإيراني والتركي الجديد، عن إمكانية حدوث تطوّر على صعيد معركة حلب وسوريا بشكل عام خلال الشهور الستة المقبلة، وهو تطوّر لا تبدو معالمه حتى الآن واضحة، بل بالعكس، فإن هناك مؤشرات تدل على ان معركة حلب طويلة وقد تتحوّل إلى خطوط تماس إقليمية - دولية، إلى ان تصبح الحلول ممكنة على صعيد المنطقة ككل من اليمن إلى العراق، وسوريا وصولاً الى ليبيا.
وفي تقدير مصادر سياسية مطلعة، ان الجهود المصرية لكسر حلقة الجمود في الاستحقاق الرئاسي، لا تبدو أكثر من محاولة محكومة «بالستاتيكو الاقليمي»، مشيرة إلى ان زيارة وزير الخارجية المصرية سامح شكري الحالية للبنان، والتي تستمر ثلاثة أيام، لا تحمل أية مبادرة بالنسبة لرئاسة الجمهورية بقدر ما هي تأكيد على استعادة دور مصر بالنسبة للأشقاء العرب، وتأكيد على التزام مصر بدعم وحدة واستقرار الدول العربية، بحسب ما صرّح المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد لمندوب «اللواء» في القاهرة، والذي أشار إلى ان لبنان يقع في صلب اهتمام صانع القرار المصري، استناداً إلى ان أمن واستقرار لبنان هو أمر حيوي وهام لاستقرار الأمة العربية.
وأوضح أبو زيد ان برنامج زيارة شكري إلى لبنان، والتي وصلها مساء الاثنين يتضمن لقاءات مع أهم وأبرز القيادات السياسية في مقدمهم رئيس الوزراء تمام سلام ورئيس مجلس النواب نبيه برّي ووزير الخارجية جبران باسيل، وهو التقى هؤلاء أمس الثلاثاء بالإضافة إلى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، فيما التقى مساءً على عشاء اقامته السفارة المصرية كلاً من الرؤساء أمين الجميل وميشال سليمان وفؤاد السنيورة، وكلاً من رئيس «تكتل الإصلاح والتغيير» العماد ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، من دون استبعاد احتمال لقاء مع قيادات في «حزب الله».
ولئن عبر الوزير المصري عن قلقه لما يعانيه لبنان نتيجة أزمة الفراغ الرئاسي، مبدياً استعداده للعب دور للتوصل إلى تسوية لهذا الاستحقاق، فإنه بحسب معلومات «اللواء» وخلال لقائه الرئيس سلام في السراي، أبدى خشيته من ان يتم الاعتياد على استمرار الشغور الرئاسي، وأن يصبح الوضع الشاذ وضعاً طبيعياً، مما يؤدي إلى مخاطر الانزلاق إلى حالة عدم الاستقرار، مؤكداً ان لا أطماع لمصر مباشرة ولا اجندات لديها، وكل ما تسعى إليه هو ان يبقى لبنان مستقراً وموحداً.
ومن جانبه، عرض الرئيس سلام وبشكل مفصل، الأوضاع الداخلية اللبنانية والمشاكل التي يتعرّض لها لبنان من تعثر في عمل الحكومة إلى شلل في عمل مجلس النواب، بسبب استمرار الشغور الرئاسي، كما شرح لرئيس الدبلوماسية المصرية الوضع الأمني وأهمية بقائه ممسوكاً، لكنه حذر في المقابل من ان لا شيء يمنع من انهيار البلد، إذا استمر الوضع على ما هو عليه من تعطيل لانتخاب رئيس للجمهورية، لافتاً إلى حاجة لبنان لرئيس يُعيد انتظام الحياة السياسية.
وفي معلومات «اللواء» ان الرئيس سلام كرّر امام الضيف المصري انه في حال لم يتم التوافق على أحد الأسماء المرشحة لرئاسة الجمهورية علينا ان نبحث عن رئيس توافقي ينقذ البلد من ما تعانيه من مشاكل وأزمات (التفاصيل ص 2).
كتلة «المستقبل»
في غضون ذلك, بدا واضحاً أن كتلة «المستقبل» تلقفت الكلام الأخير للأمين العام «لحزب الله» السيّد حسن نصر الله، بغير ما كانت تأمله أوساط الحزب بصفقة المقايضة بين القبول بترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، مقابل مجيء الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة، إذ ردّت الكتلة بعد اجتماعها الأسبوعي أمس، برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، على هذا الكلام، معتبرة أنه «تجاوز للدستور وما ينص عليه من أحكام في أصول تكوين المؤسسات الدستورية إن لجهة انتخاب رئيس الجمهورية أو انتخاب رئيس المجلس النيابي أو اختيار رئيس مجلس الوزراء»، مشيرة إلى أنه «لا يمكن أن تقبل بتجاهل الدستور أو إهمال اتفاق الطائف»، «خاصة وأن انتخاب رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس أو اختيار رئيس الحكومة هي أمور وطنية بامتياز، وليست مسائل لتبتّ كل مجموعة طائفية أو مذهبية بما تظن أنه منصب يتعلق بحصتها أكثر مما يخصّ غيرها».
واعتبرت الكتلة في ردها على نصر الله، أن «كلامه في ما يتعلق بإعادة التمسّك بالعماد عون مرشحاً هو من حقه، لكن هذا الحق لا يخوّله أن يفرضه مرشحاً وحيداً لرئاسة الجمهورية، ويدّعي بالتالي لنفسه الحق الدستوري بتعطيل جلسات مجلس النواب إن لم تستجب رغبته»، وقالت أن «نصر الله بذلك يُؤكّد تسببه باستمرار أزمة الشغور الرئاسي في لبنان»، مشيرة إلى أن «انتخاب الرئيس يظل هو الأولوية الوطنية الكبرى».
الحوار الثنائي
واللافت للإنتباه، أن هذا الموقف لكتلة «المستقبل» تزامن مع انعقاد جلسة الحوار الثنائي 33 بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» مساء أمس في عين التينة، من دون أن يغيب عنه أحد من أعضاء هذا الحوار الذين اعتادوا على حضوره في مواعيده.
وبحسب البيان الذي صدر بعد الجلسة، فإن المجتمعين «ناقشوا التطورات السياسية والاستحقاقات الدستورية وقانون الانتخابات النيابية، وأكدوا الحاجة إلى الإسراع في إقراره».
وأوضحت مصادر المجتمعين، أن ممثلي «حزب الله» كرروا موقفهم لجهة التمسك بترشيح العماد عون ودعوة «المستقبل» إلى التفاهم معه، في حين طالب ممثلو «المستقبل» بدعوة نواب الحزب وتكتل التغيير والإصلاح للنزول إلى المجلس لانتخاب رئيس وليفز من يفوز.
وإذ أكد المجتمعون على ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار، جرى التطرّق إلى قانون الانتخاب، من دون الاتفاق على صيغة معيّنة، إلا أن مصدراً نيابياً أوضح لـ«اللواء» أن بيان الحوار الذي أكد الحاجة إلى الإسراع في إقرار قانون الانتخاب، لا يعني شيئاً، إذ أن تأكيد الحاجة إلى الإقرار شيء والتوافق عليه لإقراره شيء آخر.
ونفى المصدر أن يكون قد حصل تبدّل بالنسبة لأولويات الحوار، غير رئاسة الجمهورية، مشيراً إلى أنه لا يملك معلومات عمّا إذا كان طرف معيّن من قبل الرئيس برّي قد تحدث مع «المستقبل» في شأن قانون الانتخاب، وأن «المستقبل» قبل بصيغة القانون المختلط بين النسبي والأكثري بنسبة النصف بالنصف، مؤكداً أن الكتلة ما زالت متمسكة بالمشروع الذي تقدمت به إلى اللجان النيابية المشتركة والمتفاهم عليه مع «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي، والذي يلحظ الجمع بين الأكثري والنسبي بنسبة 68/60، نافياً في الوقت نفسه وجود مفاوضات سرّية بين الرئيس برّي و«المستقبل» حول قانون الانتخاب.
تزامناً، كشف عضو تكتل «التغيير والاصلاح» النائب سليم سلهب عن نقاش يجري بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» في شأن نصّين يتعلقان بقانون الانتخاب، مشيراً إلى أن أي توافق على نصّ مشترك لم يتم بعد، نافياً في الوقت نفسه حصول توافق مع الرئيس برّي بشأن اقتراحه للقانون المختلط، لكنه كشف أن هناك عملاً يجري حول هذا القانون.
التعيينات العسكرية
من جهة ثانية، أبلغت مصادر معنية بملف التعيينات العسكرية «اللواء» مساء أمس، أن هناك اتصالات حثيثة تجري عشية جلسة مجلس الوزراء الخميس، وستتكثف اليوم لبلورة ما إذا كانت الجلسة غداً ستشهد أي حسم في ملف التعيينات، لكنها أكدت أن ملف التمديد للأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى اللواء محمّد خير سيتم بتّه خلال الساعات المقبلة، لأن الوقت أصبح ضاغطاً لجهة أن مُـدّة التمديد الأول للواء خير ينتهي في 25 آب الحالي.
وقالت أنه في ضوء هذه الاتصالات سيتم حسم تجزئة سلّة التعيينات، وبالتالي الاكتفاء بالتمديد للواء خير، وإرجاء تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي، وتعيين العميد حاتم ملاك رئيساً للأركان إلى جلسة مقبلة، علماً أن التمديد لخير لا يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء، بل هو من اختصاص وزير الدفاع.
وفي تطوّر جديد يتصل بموقف التيار العوني من التعيينات العسكرية، كشف النائب سلهب لـ«اللواء» أن لا رغبة لدى وزيري التيار بالانسحاب من الحكومة في حال اتخذ قرار التمديد لقائد الجيش، معلناً أنهما سيكتفيان بالتعبير عن رفضهما لهذا القرار باعتبار أنه غير دستوري، من دون اللجوء إلى التعطيل.
وقال سلهب: «الوقت ليس للتعطيل»، مشيراً إلى أن هذا ما خلص إليه اجتماع التكتل أمس لجهة طلب الانتظار وعدم التعجيل في التمديد لمن تنتهي مُـدّة ولايته في الشهر المقبل»، في إشارة إلى قهوجي.
وعلمت «اللواء» أن هذا الموقف مردّه إلى آمال معلّقة لدى التيار على إمكانية انتخاب الرئيس قبل الموعد المحدد لنهاية ولاية قائد الجيش ورئيس الأركان.
ولفت سلهب في رد على سؤال إلى أن هناك حركة تجري في الملف الرئاسي كي تتوّج جلسة السابع من أيلول لمقبل بانتخاب رئيس للجمهورية.