صقور تيار المستقبل: التوافق على رئاسة الحكومة (وبشروطنا) قبل التوافق على رئاسة الجمهورية.
الذين استبشروا خيراً بالرسالة التي وجهها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله الى الرئيس سعد الحريري في خطاب بنت جبيل، عادوا على وجه السرعة الى المربع الاول.
التيار يريد ضمانات. هناك من أثار، ومن قبيل الفانتازيا السياسية، تطويب الحريري رئيساً للحكومة لمدة 6 سنوات، اي طوال ولاية رئيس الجمهورية، وعلى أساس ان رئيس المجلس النيابي يتربع على عرشه لأربع سنوات جرى تمديدها 4 مرات...
رئيس الحكومة يجلس على كرسي هزاز، وربما على الكرسي الكهربائي، باعتبار انه الوحيد بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان الذي يخضع بقاؤه او رحيله للتقلبات الزئبقية للأمزجة السياسية والطائفية.
جهات سياسية وترى ان شرطاً من هذا القبيل بمثابة تقويض لما تبقى من العملية السياسية، ومن العملية الدستورية، ماذا اذا اشترط «حزب الله»، في هذه الحال، الاعتراف بدوره الاقليمي وبشرعية السلاح الذي في حوزته؟
المسرح السياسي ما زال مقفلاً، واللافت ان بعض الصقور داخل تيار المستقبل اعتبر ان كلام السيد نصرالله هو كلام تكتيكي، باعتبار ان هذا الاخير يشعر بأن اي تسوية للأزمة السورية، ومهما كان نوعها، ستكون لغير مصلحته، وعلى هذا الاساس، هو يناور أو يساوم من اجل ضمان التغطية الداخلية لأي مشكلات قد يواجهها ما دامت الرياح الدولية والاقليمية تهب في اتجاه يؤشر الى ان تطورات هامة هي في الطريق الى سوريا كما هي في الطريق الى لبنان.
بطبيعة الحال، هناك مَن يرى ان التنسيق الاستراتيجي بين روسيا وايران أخذ منحى بالغ الحساسية عندما تنطلق القاذفات الروسية من قاعدة همدان في ايران لتضرب أهدافاً في سوريا. بالتالي لم يعد المعطف الاستراتيجي لـ«حزب الله» محصوراً في النطاق الاقليمي بل تعداه الى النطاق الدولي...
استطراداً، وتبعاً لما تراه أوساط 8 آذار فان مؤشرات كثيرة تدل على ان الحزب سيضطلع بدور هام للغاية في المرحلة المقبلة، واذا ما اراد فريق 14 آذار التوافق، فالابواب مفتوحة.
وهذه الاوساط تسأل «على ماذا يعوّل بعض الاطراف الداخلية والخارجية في ما يتعلق بحل الأزمة في لبنان ما دامت الأمور تأخذ ذلك المنحى ديبلوماسياً وعسكرياً، وحيث موسكو تنسق عسكرياً مع واشنطن ومع طهران ومع انقرة في ما يتعلق بالمسرح السوري...
أكثر من جهة سياسية تعتبر ان الحريري كان ينتظر مثل ذلك الكلام من السيد نصرالله من أجل شق الطريق الى السرايا الحكومية، وبالتالي التعاطي بطريقة أخرى مع المأزق السياسي والمالي الذي يواجهه.
الثابت ان هناك جهة ما ضغطت، ويتردد ان مفاعيل هذا الضغط طاولت حتى النائب وليد جنبلاط الذي لوحظ صمته في هذه الآونة. ومَن مارسوا الضغط يرون ان الوقت الحالي ليس بالوقت المناسب لعقد اي صفقة بين تيار المستقبل و«حزب الله» لأنها ستكون الصفقة العرجاء اذا لم تتطرق الى سلاح «حزب الله» والى دور الحزب في سوريا.
على الضفة الأخرى، كلام عن «العين العرجاء» لدى الذين يقولون بـ«الصفقة العرجاء»، اذ أن ثمة مسائل استراتيجية تجاوزت الاطار السياسي والدستوري للاستحقاق الرئاسي، وعلى هذا الاساس فان اي سلة تظل محصورة في  نطاق الاستحقاق الرئاسي، وقانون الانتخاب، وتشكيل الحكومة والبيان الوزاري.
وهنا يقول مصدر مقرب من جنبلاط انه كان يتوقع ان يكون الرد هكذا على كلام السيد نصرالله، ولا مجال لتجزئة الأزمة في لبنان، بل ان على الأفرقاء انتظار ما سيحدث على الأرض السورية، باعتبار ان المرحلة الراهنة هي الأكثر دقة منذ انفجار الأزمة السورية في آذار 2011.
الى اشعار آخر، التسوية ممنوعة، لكن موعد جلسة الحوار في 5 أيلول يقترب، ودون ان يكون هناك من كلام يطمئن الى ان الجلسة المقبلة ستكون أفضل من ثلاثية الحوار في الأسبوع الأول من شهر آب.
وفي هذا الصدد، لوحظت حدة الرد الذي ادلى به النائب مروان حمادة بقنواته الاقليمية المعروفة، وأشار فيه الى ان كلام السيد نصرالله الغاء للدستور والبرلمان وضرباً لاتفاق الطائف، معتبراً ان الأمين العام لـ«حزب الله» «يريد منذ الآن ان يعرف ما هي الحكومة، وما هو بيانها، وما موقفها من السلاح، ومن بيان بعبدا، ومن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، ومن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.
اضاف «ان نصرالله يريد ان يأتي برئيس حكومة تحت سيطرته. واذا كان هو مَن يأتي برئيس جمهورية بالقوة، وقابل برئيس المجلس النيابي، يريد أن يفرض على رئيس الحكومة حجراً (الحَجْر) على توليه منصبه».
وأكد حمادة «ان هذا مرفوض من قبلنا، ولن يمر، ولن يكون هناك ميشال عون (رئيساً للجمهورية) بهذه الشروط».
وفي هذا المجال، تقول مصادر 8 آذار «ان الجماعة حيرونا، السيد حسن قال سنكون منفتحين وايجابيين، ولا تصعيد، فأين هي الشروط في حديثه الا اذا كان هناك من يقرأ ما في الصدور».
حتى ان مصادر عين التينة تقول انها ارتاحت كثيراً لموقف السيد نصرالله، واعتبرت انه يمكن ان يشكل مدخلاً لحلول للأزمات التي تحملها سلة بري، لتستهجن ان تكون الردود هكذا، لتشير الى ان الكلام الذي يعوّل عليه هو كلام الرئيس الحريري الذي لم يعلّق حتى الآن.
والمصادر إياها تتمنى على «الشيخ سعد» الموجود في سردينيا بعيداً عن كل مشاكله ان يفكر كما كان يفكر والده الراحل رفيق الحريري حين كان يمضي ساعات من التأمل في منتجعه في الجزيرة الايطالية.
غير ان بيان كتلة المستقبل أظهر «ان الرقص داخل الفراغ متواصل»، بحسب تعبير رئيس حكومة سابق، لكن جهات سياسية قرأت البيان بصورة مختلفة حين قالت «ان الكتلة كما الشعب اللبناني تستذكر بسالة وتضحيات ودماء شهداء المقاومة الذين تصدوا لاسرائيل ومنعوها من تحقيق ما كانت تطمح اليه من انتصار او افشلوا مخططاتها الخطيرة تجاه لبنان وشعبه البطل».
ولم تستثنِ الكتلة ايران من الدول التي دعمت لبنان «والتي سمحت مساهماتها في تأمين التمويل اللازم او الاسهام في البناء المباشر لانجاز اعادة الاعمار للمناطق اللبنانية التي دمرت او تضررت بسبب الاجتياح».
هذا لم يمنع الكتلة من انتقاد «حزب الله» لاطلاقه «اتهامات التخوين» ما أسهم في زيادة الانقسامات في لبنان وخدم اسرائيل من دون ان يدري».
وجددت «الدعوة الصادقة» للحزب «لاعادة النظر في سياسته الحالية لجهة وضع حد سريع لتورطه في الحروب العربية، من سوريا الى العراق وصولاً الى اليمن، فالحزب مدعو للعودة الى اعادة الاعتبار للمصلحة اللبنانية الوطنية وللدولة اللبنانية وللتخلي عن سلاحه غير الشرعي لمصلحة السيادة الوطنية، وتمكين الدولة من بسط سلطتها الكاملة على جميع الاراضي اللبنانية بما يسمح باخراج لبنان من مأزقه».

ـ الهجوم على نصرالله ـ

ولوحظ ان الهجوم على كلام السيد نصرالله لم يأت في مقدمة بيان الكتلة لتتهمه بـ«العودة مجدداً في كلامه السياسي الداخلي لتجاوز الدستور»، رافضة «تجاهل الدستور او اهمال اتفاق الطائف».
واشات الى «ان مسألة انتخاب رئيس للجمهورية او انتخاب رئيس لمجلس النواب او اختيار رئيس مجلس الوزراء هي امور وطنية بامتياز وليست مسائل لتثبت كل مجموعة طائفية او مذهبية بما تظن انه منصب يتعلق بحصتها».
ورأت الكتلة ان اختيار رئيس الجمهورية في لبنان قد حددت مواصفاته هيئة الحوار، وهو غير الشخصية التي تحظى بتأييد ودعم من بيئتها، وكذلك الدعم والتأييد من البيئات الأخرى».
اضافت «ان الكلام الذي صدر عن السيد نصرالله في ما يتعلق باعادة التمسك بالعماد عون مرشحاً من قبله هو من حقه، لكن هذا الحق لا يفرض مرشحاً وحيداً لرئاسة الجمهورية». وقد تفاوتت التعليقات على بيان الكتلة، فيما قال قطب بارز في 8 آذار لـ«الديار» ان الثناء الاستثنائي للكتلة على «بسالة وتضحيات ودماء شهداء المقاومة» يكفي بالنسبة الى السيد نصرالله لأن هذا الاساس، ولا بد أن يلقى ذلك صدى ايجابياً للغاية.
اضاف «ان المنطقي ان يتلقف الحريري كلام السيد نصرالله بايجابية، لكنه لم يفعل لأسباب بعضها معلوم وبعضها مجهول»، لكن رئاسة الحكومة، وفي هذا الوقت بالذات، هي فرصة استراتيجية أمام الحريري والا فإن الامور يمكن ان تمضي في اتجاه آخر».
وقال القطب في 8 آذار، «اذا جرت الانتخابات النيابية، والحريري خارج السرايا الحكومية، فالنتائج ستكون كارثية بالنسبة اليه إن في الشمال ذي الغالبية السنية (8 نواب في طرابلس، و3 في الضنية - المنية و7 في عكار)، وكذلك في اقليم الخروب.
كما ان تعامل الاجنحة السعودية معه سيكون مختلفاً حين يشغل منصب رئيس حكومة لبنان، ويمكن لذلك ان يؤدي الى اخراجه تدريجاً من مأزقه المالي.
وبحسب القطب فإن الحريري بتبنيه ترشيح عون «لا يتنازل لأنه سبق وتنازل حين رشح النائب سليمان فرنجية، وحين يصبح رئيساً للحكومة فإن الصقور في تيار المستقبل لا بد أن يتحولوا الى ببغاءات».
وأشار الى ان رئيس تيار المستقبل في سباق مع الوقت. رئاسة الحكومة الآن وليس غداً.
والسؤال الآن: اين هي الحلقة المفقودة في الانتقال من ترشيح عون الى ترشيح فرنجية؟
الى ذلك، وبعدما كان منتظراً ان يعلن تكتل التغيير والاصلاح في اجتماع أمس عن الخطوات التي يزمع اتخاذها في حال التمديد للعماد جان قهوجي، لم يصدر بيان، واكتفى امين سر التكتل النائب ابراهيم كنعان بالقول «نحن مع التعيين في اي لحظة، وهو المبدأ الدستوري والاداري السليم».
اضاف «أما ما يمكن ان نقوم به في حال حصول العكس فهذا متروك لحينه للتكتل».

ـ وزير الخارجية المصري ـ

الى ذلك، أمل أكثرمن مرجع لبناني ان تكون زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لبيروت مقدمة لدور مصري يمكن ان يساهم في دفع الامور الى التسوية في ظل مؤشرات دولية واقليمية لا تترك مجالاً للشك في ان تطورات هامة ستطرأ على المشهد العام في غضون الأشهر وربما الأسابيع المقبلة.
شكري الذي التقى الرئيس نبيه بري والرئيس تمام سلام، ووزير الخارجية جبران باسيل، مع الاتجاه الى لقاء بعض القادة السياسيين اليوم، لم يحمل معه مبادرة بل حمل افكاراً طرحها حيثما حل من أجل ما وصفه بـ«تقريب وجهات النظر وفقاً لتفاهم يتم من خلال الرموز السياسية ومكونات الشعب».
ووصف دور القاهرة بـ«الميسّر» دون ان تفضل اي مرشح على الآخر»، لافتاً الى «ان للبنان خصوصيته، ومصر على استعداد لتقديم اي دعم للتوصل الى تفاهم بين الاطياف اللبنانية». وشدد شكري على مدى اهتمام بلاده بـ«الاوضاع في لبنان، وادراكنا للتأثيرات التي تنتج عن الصراعات القائمة في سوريا، والضغوط التي نتجت عن ذلك والعبء الذي يتحمله لبنان، وضرورة العمل على دفع هذه الاعباء، وكذلك العمل على استقرار الاوضاع في المنطقة بشكل يتيح استمرار السعي للوفاء بالاستحقاقات».
كخلاصة للمشهد يقول مصدر ديبلوماسي خليجي لـ«الديار» «ان سلة بري الآن على وقع التطورات الدراماتيكية في سوريا».