انشغلت الساحة المحلية خلال الساعات الأخيرة بتتبع خيوط محاولة «أم الدنيا» انتشال «ست الدنيا» من أزمتها المؤسساتية المستفحلة، بحيث أدارت آلة الرصد والتعقب محركاتها الصحافية والسياسية لاستكشاف ما يحمله وزير خارجية مصر سامح شكري إلى بيروت من مساعٍ للمساعدة على حلحلة العقدة الرئاسية فكان التقاطع سياسياً وديبلوماسياً حول رسم عنوان عريض للمبادرة المصرية يضعها في سياق الدفع باتجاه تحقيق التوافق بين اللبنانيين أنفسهم باعتبارهم أهل الحل والربط في أزمة بلادهم. في وقت أشاد رئيس مجلس النواب نبيه بري وفق مصادر عين التينة لـ«المستقبل» بأهمية زيارة شكري بوصفه وزير خارجية دولة هي «ركن من أركان العرب»، منوّهاً في هذا المجال بكون «مصر تعمل على استعادة فضائها الإقليمي ودورها العربي المحوري وهذا بحد ذاته يمثل إيجابية كبيرة»، ومن هذا المنطلق أتى وزير خارجيتها ليكرّر «بلسان العرب التمنيات والتوصيات الغربية والدولية بحل الأزمة اللبنانية».

وزير الخارجية المصري، الذي يقام غداء تكريمي اليوم على شرفه في بيت الوسط بدعوة من الرئيس سعد الحريري وبحضور رئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة وعدد من النواب، كان قد أولم مساء أمس على شرف عدد من الشخصيات السياسية الممثلة لأطراف لبنانية متعددة في مقر السفارة المصرية بعدما جال في يوم زيارته الأول على عين التينة وقصر بسترس ودار الإفتاء. 

وحضر العشاء الرؤساء ميشال سليمان وأمين الجميل وفؤاد السنيورة وميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ورئيس التيار «الوطني الحر» الوزير جبران باسيل والوزيران روني عريجي وعلي حسن خليل، وغاب عن العشاء أي ممثل لـ«حزب الله». وأفادت مصادر المشاركين «المستقبل» أن الوزير المصري كان مستمعاً واكتفى بسؤال الحاضرين عمّا يمكن لمصر أن تلعبه من دور لتحريك الملف الرئاسي، فيما أكد عون أنه يمثل الأكثرية المسيحية داعياً إلى استفتاء شعبي في حال رفض انتخابه، فيما تمسك سليمان والجميل والسنيورة وعريجي بوجوب العودة إلى الدستور، أما جعجع فاعتبر أن الأزمة معقّدة مقترحاً دعم عون للخروج منها. وأضافت المصادر أن عون وباسيل شددا على وجوب أن يكون القرار في الخيار الرئاسي «مسيحياً»، فيما أكد السنيورة من جهته ما سبق وأعلنه على طاولة الحوار لجهة أن يكون الرئيس مقبولاً في طائفته ولدى الطوائف الأخرى.

وكان شكري قد أوضح من عين التينة أنّ «مصر تتطلع إلى أن تلعب دوراً إيجابياً في معاونة الأطراف كافة للتوصل إلى تسوية للاستحقاق الرئاسي والخروج من هذه الأزمة من خلال التواصل والتفاهم بين كل العناصر والأطياف السياسية«، مشدداً على أنّ «الشأن اللبناني يحظى باهتمام من كل الدول، وما تقوم به مصر هو تأكيد للحرص الذي توليه للأشقاء في لبنان« مع الإشارة إلى أنّ المساعي المصرية الراهنة تندرج في إطار محاولة «توفير قاعدة مناسبة تيسّر التفاعل والتفاهم بين كل هذه العناصر«.

ورداً على أسئلة الصحافيين بعد لقائه وزير الخارجية جبران باسيل عما إذا كانت القاهرة تؤيد «المرشح الأكثر ميثاقية وشعبية» لتولي سدة الرئاسة، أكد شكري أنّ بلاده ليس لديها «أي نوع من التفضيل أو التوجيه أو التزكية لطرف على حساب آخر، إنما تفضيلها هو أن ينعم لبنان بالاستقرار وأن يتجاوز هذه العقبة وأن يؤدي استكمال مؤسسات الدولة إلى ترسيخها والمحافظة على سلامة الأراضي اللبنانية واستقرارها، سيما وأننا نعيش في أجواء تُستهدف فيها قدرة الدولة ومؤسساتها بحيث يتم العمل على شرذمة الدول العربية وتفتيتها ومن هنا تأتي أهمية قيام الدولة المركزية القادرة وتثبيت كل مؤسساتها».

وبينما كانت لباسيل رسالة «رئاسية» غير مباشرة من خلال تشديده أمام الضيف المصري على أنّ «الشرعية الشعبية هي ممر وحيد للبنان للخروج من أزماته»، لفت الانتباه تأكيد شكري في كلمته على ضرورة «الحفاظ على الأمن القومي والهوية العربية التي يتم الضغط عليها من خارجها سواءً على المستوى الإقليمي أو الدولي«، وأردف مضيفاً: «يجب أن نتنبه جيداً إلى أننا نحن من يحدد إطار مصلحتنا ومسارنا وهذا هو الضمان لتحقيق الإرادة الشعبية».

تحرير مستشفى شبعا

في الغضون، برز على شريط الأحداث الوطنية أمس تحرير مستشفى «الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان» في شبعا من القيود السياسية التي كانت مفروضة عليها من قبل «حزب الله» تحت ذرائع أمنية لمنع تشغيلها كما سبق وأضاءت «المستقبل» مطلع الشهر. 

إذ عقد وزير الصحة وائل أبو فاعور أمس مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع السفير الإماراتي في لبنان حمد سعيد الشامسي للإعلان رسمياً عن «التوصل إلى تذليل الهواجس الأمنية التي كانت قائمة لدى بعض الأطراف»، مؤكداً أن «المستشفى وبعد الاتفاق على كل التفاصيل الإدارية، بات في أيدٍ أمينة، هي أيدي جمعية المقاصد الجديرة والمحترمة والتي تحظى بصدقية عالية جداً وهي من أعمدة الاعتدال في لبنان»، متوجهاً بالشكر إلى السفير الإماراتي وكذلك إلى الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط على المساعدة في تذليل العقبات التي كانت تحول دون تشغيل المستشفى ودون استفادة أهالي العرقوب من خدماتها الطبية. 

وقبل توقيع العقود الخاصة بالمستشفى في حضور رئيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية أمين الداعوق، كانت كلمة للشامسي أكد فيها أنّ «دولة الإمارات دائماً مع لبنان وحكومته، ولو أن هناك عتباً في السياسة إنما الدعم مستمر للبنان وللمشاريع الإنسانية والتنموية»، وأوضح أنه اتفق مع أعيان شبعا خلال زيارته للمستشفى أمس الأول على أن يكون الأول من أيلول المقبل موعد الإعلان عن تشغيل المستشفى، شاكراً «القيادات السياسية اللبنانية ومن أسهم في تذليل العقبات لتشغيل المستشفى».