الصلاحيات الواسعة التي حصل عليها الحرس الثوري الإيراني في الداخل بحجة الدفاع عن مصالحه الاقتصادية والسياسية والعسكرية والدبلوماسية، كانت سبباً قوياً في تحول الحرس من مجرد ذراعٍ عسكرية للثورة الإيرانية، إلى ما يشبه مركز ثقل امتد نفوذه في كل شرايين الحياة، فظهرت معاناة الشعب الإيراني اقتصادياً، حتى تفشى الفقر بين فئاته المختلفة.


ولم ينحصر دور الحرس الثوري في العمل العسكري فقط، بل امتد ليسيطر على الاقتصاد، ويتدخل في السياسات الداخلية والخارجية، فضلاً عن تحكمه في كل صغيرة وكبيرة داخل المجتمع الإيراني نفسه، ما تسبب في حالة نفور بين شرائح المجتمع.

مراقبون أشاروا إلى أن أفراد الحرس الثوري الإيراني سعوا إلى الترويج لأنفسهم في الداخل باعتبارهم "حماة الثورة الأتقياء"، والمدافعين الحقيقيين عن الإسلام، مستندين إلى تشعباتهم منذ أن نشؤوا في الأيام الأولى للثورة الإيرانية.

وتعهد الخميني بدعم الحرس الثوري منذ اللحظة الأولى، ونجح في الإطاحة بالشاه، وبالتالي نجحت عناصر الحرس بعد ذلك في توسيع نفوذها لتدخل مجال السياسة الخارجية، والاقتصاد، والمعلومات، والاستخبارات، اعتماداً على قربها من الخميني، وباعتبار أن ولاءها الأول له ولمبادئه الثورية.

الصلة المباشرة بين الحرس الثوري وقائده الأعلى أنتجت منه نموذجاً لا نظير له بين القوات المسلحة المختلفة، سواءٌ كانت من باقي قوات الجيش، أو المخابرات، أو قوات الأمن الإيرانية، وبالتالي فإنه ليس مصادفةً تولي أحمد فاهيدي فيما بعد وزارة الدفاع، وهو القائد السابق لفيلق القدس.

المسؤولون للشعب: شدوا الحزام

رئيس غرفة الحرس الثوري، ورئيس مقر "عمّار" الاستراتيجي للحروب الناعمة، مهدي طائب، دعا الشعب الإيراني، الاثنين، إلى خفض إنفاقه على الطعام؛ بحجة نصرة ودعم المقاتلين في اليمن، قائلاً: إنه "على إيران أن تستمر في تقديم الدعم للمقاتلين في سوريا، والعراق، ولبنان، واليمن، حتى لو كان ذلك على حساب قوت الشعب الإيراني"، على حد تعبيره.

سيطرة الحرس الثوري على منابع الاقتصاد في إيران، وصعوبة الرقابة عليه ومحاسبته، كان دافعاً قوياً لانتشار الفساد بين عناصره، ووفقاً لما ذكره متابعون للمشهد الإيراني من أن الهدف الأول للحرس الثوري حرصه على تحقيق ثروات وأموال طائلة على حساب باقي فئات الشعب، وبالتالي كان سبباً رئيساً لرفض المجتمع الإيراني لهذا النفوذ الداخلي له، خاصةً أنه انتقل من مجرد كونه قوة عسكرية تحمي الثورة ومبادئها إلى إمبراطورية صناعية لها نفوذ سياسي واسع النطاق، ودل على ذلك استفادة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد باعتباره كان عضواً سابقاً بالحرس الثوري.

وبرغم رفض المسؤولين الإيرانيين الكشف عن حصة الحرس الثوري في السوق الإيرانية، إلا أنه -وفقاً لما ذكرته وكالة رويترز- يتراوح الدخل السنوي من مجمل أنشطة الحرس الثوري التجارية فقط ما بين 10 إلى 12 مليار دولار، في وقتٍ يعاني أفراد المجتمع الإيراني من فقر مدقع، وارتفاع نسبة البطالة، كما أن مسؤولاً إيرانياً كان قد صرح بأن الحرس الثوري أصبح يسيطر على كبرى الشركات في إيران في قطاعات السياحة، والنقل، والطاقة، والبناء، والاتصالات، والإنترنت.

قتلى إيران في سوريا كانت من الأسباب الدافعة لانطلاق عاصفة غضب مدني داخل إيران، يرفضون على إثرها دور الحكومة والحرس الثوري في سوريا، خاصةً بعدما احتدمت المعارك في حلب.

زاد من حنق المجتمع الإيراني تجاه الحرس الثوري تقاعس الأخير في تقديم قائمة بقتلاه في سوريا، معتمداً على تسجيل أسماء الأجانب الذين قتلوا في سوريا.

ولم تنشر إيران إحصائية رسمية بشأن قتلاها في سوريا؛ خشية انفجار الغضب الشعبي بسبب تدخلاتها في سوريا، كما يتحفظ المسؤولون الإيرانيون في الإعلان عن سقوط القتلى، إلا أن تشييع الجثث بات مصدراً رئيساً لوسائل الإعلام لمعرفة آخر القتلى.

إيرانيون يتضامنون مع سوريا

الرفض الشعبي لتدخل الحرس الثوري الإيراني أسفر عنه انطلاق حملة شعبية إيرانية على مواقع التواصل الاجتماعي تعلن تضامنها مع سوريا، وترفض التدخل الإيراني العسكري في الأزمة السورية، حيث نجحت الحملة في تسليط الضوء على المعارضة الشعبية الواسعة ضد سياسة الحكومة الإيرانية إقليمياً، وإرسالها قوات الحرس الثوري إلى سوريا، وسقوط القتلى دون الإعلان عنهم رسمياً.

ركز نشطاء التواصل الاجتماعي في تغريداتهم على معارضتهم للحرب، ونشر صور معاناة الأطفال والنساء، ما جعل الحكومة الإيرانية تحجب موقع تويتر، خاصةً أن النشطاء عبروا عن رفضهم عبر أسماء مستعارة خشية الملاحقات الأمنية.

ومن بين تغريدات النشطاء الإيرانيين الرافضين لتحركات الحرس الثوري في الخارج ما قاله المغرد صمام السلطنة، من أن "الحرب تسببت في تشرد 12 مليون من أصل 18 مليون سوري".

كما كتب مغرد آخر: "دعم قتل غير المدنيين بحجة أمن مؤقت ووهمي في إيران.. لا، نحن نعارض تقديم هذه الصورة السيئة عن بلادنا إلى العالم".

وقالت المغردة روزين: "هل نجرؤ غداً أن نقول لأطفالنا كيف وصلنا إلى جزيرة الاستقرار"، كما كتبت في تغريدة أخرى: "جزيرة استقرارنا قائمة على خراب حياة السوريين".

وكتب فروردين ساخراً من إعلان السلطات، في وقت سابق، أن مستقبل الأسد من خطوطها الحمر، بقوله: "يرجى من جزيرة الاستقرار تعريض خطها الأحمر قليلاً حتى تستوعب النساء والأطفال والمدنيين".

وقال مغرد يدعى أمير حسين اعتمادي: "نحن فرحون بالعيش في جزيرة الاستقرار، الاستقرار الهش والأمن الذي تتحدثون عنه شيد على جثث أطفال سوريا والمدنيين".

تحركات الحرس الثوري خارج إيران كانت من الأسباب الرئيسة في تفشي الفقر؛ نظراً للتكلفة الباهظة التي تتحملها الخزانة الإيرانية، بحسب بعض الأرقام التي تنشرها مواقع إيرانية، وبالتالي فإن الاقتصاد الإيراني حالياً قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، بسبب هيمنة الحرس الثوري، وتصرفه في منابع الاقتصاد كيفما شاء، ما يدل على أن الاقتصاد الإيراني دوره يكمن في خدمة مصالحه فقط.

(الخليج أونلاين)