لم يُثِر الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في الذكرى العاشرة لنهاية حرب تموز، اول من امس، ردود فعل داخلية بارزة بعد وخصوصاً حيال الجانب المتصل بالملف الرئاسي، علماً ان الجهة الأساسية المعنية بما يمكن تسميته عرْضاً قدّمه ضمناً في شأن رئاسة الحكومة هو زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري.

ولكن ذلك لم يحجب الترددات التي رصدتْها الأوساط السياسية اللبنانية لكلام نصر الله، وسط تقديم مصادر قريبة من قوى 14 آذار ملاحظاتٍ عليه انطلاقاً من السمات العامة للخطاب والتي طبعتها اتجاهات عدة حيال كلٍّ من اسرائيل والمجموعات المسلّحة في سوريا والمأزق الرئاسي والستاتيكو السياسي في لبنان، وذلك على الشكل الآتي:

أولاً: ما أبداه نصر الله من اطمئنان لجهة هدوء الجبهة مع اسرائيل كامتدادٍ لما اعتبره الانتصار عليها في حرب يوليو 2006 وحديثه عن انقلاب الحسابات العسكرية والاستراتيجية الإسرائيلية حيال اي حرب محتملة مقبلة، كما لو انه يستبعدها تماماً، متجاهلاً ان الاطمئنان الذي ينعم به جنوب لبنان مردّه الى القرار 1701 وانتشار قوة «اليونيفيل» المعزَّزة والجيش اللبناني على طول الخط الأزرق.

ثانياً: النبرة المرنة المفاجئة التي توقّفتْ عندها هذه الأوساط باهتمام بالغ والتي لجأ اليها نصر الله في تَوجُّهه الى التنظيمات المسلّحة في سورية والعراق التي لم يصفها هذه المرة لا بالإرهابية ولا بالتكفيرية بل اكتفى بتسميتها بتسمياتها المباشرة، من خلال توجيهه الدعوة اليها للتوقف عن القتال.

وبرز هذا المنحى بتخصيص الامين العام لـ «حزب الله» حيزاً مهماً من الخطاب لـ «داعش» و«جبهة النصرة» وكل الجماعات الاخرى التي تقاتل في سوريا والعراق داعياً اياها الى «وقف الفتنة وقتل اخوانكم (...) أوقِفوا هذا القتال، ألقوا هذا السلاح، نتكلم بمصالحات، نتكلم بتسويات».

وبرر نصر الله «عرْضه» بأن هذا القتال هو لمصلحة اميركا، متوجّهاً الى «داعش والنصرة وكل هذه الجماعات التي ما زالت تقاتل (...) أنتم تمّ استغلالكم خلال خمس سنوات لتهديد محور المقاومة وشعوب المنطقة (...)».

وأدرجت المصادر نفسها هذا التوجه الجديد لدى زعيم «حزب الله» في اطار انعكاسٍ ضمني لاتساع المأزق الذي يتخبط فيه الحزب في سورية وتَكبُّده تراكماً هائلاً من الخسائر، بدليل ان نصرالله تجاهل الحديث عن التطورات الأخيرة التي حصلت في حلب لمصلحة المعارضة السورية بعدما كان قبل اسبوعين فقط يعلي صوته بالانتصار في حلب لمصلحة النظام السوري وحلفائه متحدّثاً عن انهيار «الأحلام الامبراطورية» في ما بدا في حينه غمزاً من قناة تركيا التي لم يأتِ هذه المرة على ذكرها إطلاقاً، وهي التي استضافت وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف قبل ايام.

ولفتت المصادر الى ان لجوء نصر الله الى نبرة مرنة حيال التنظيمات المتطرفة كداعش والنصرة والتلميح الى امكان حصول مصالحات وتسويات معها يشكل التعبير الأحدث عن مأزق النظام السوري وداعميه وفي مقدمهم «حزب الله» بإزاء الدعم الواسع الذي تحظى به فصائل معارِضة سورية تمكّنت من تحقيق مكاسب ميدانية اخيراً في وجه النظام وفي مواجهة داعش نفسها في آن واحد. وهو امر عكسه نصرالله في مخاطبة الجماعات المتطرفة كمناورة جديدة او رسالة الى الفصائل المعارضة ولكنها تبدو سلفاً محفوفة بالفشل.

ثالثاً: في الجانب السياسي الداخلي من الخطاب، لاحظت المصادر القريبة من قوى ١٤ آذار ان نصرالله لم يُضْف واقعياً اي جديد في سياق المأزق الذي بدا كأنه يحاول التحلل من تبعته، اي تعطيل الانتخابات الرئاسية، من دون اي مبادرة عملية بل ذهب الى الناحية التي تكرّس اللعب الذي يمارسه بعض قوى ٨ آذار اعلامياً وسياسياً منذ فترة لجهة الضرب على وتيرة إغراء الرئيس سعد الحريري بالقبول بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية مقابل القبول بعودة الحريري الى رئاسة الحكومة.

واذ برز ذلك من خلال تشديد نصرالله على تكرار التزامه دعم عون والردّ على الرئيس فؤاد السنيورة بحسْم ان «الرئيس الشريك» نبيه بري سيكون رئيساً لمجلس النواب المقبل وقوله انه سيكون منفتحاً وايجابياً في ما يتعلق برئاسة الحكومة، فانه بدا بذلك كأنه يكرّس الانسداد القائم. ذلك ان هذا الطرح لا يرقى في اي شيء الى مستوى اي تحريك فعلي للأزمة بل هو رهان ضمني واضح على إضعاف الحريري وحمْله على التسليم بقواعد يضعها «حزب الله» ويوزّع عبرها المناصب سلفاً وإلا بقيت الازمة مفتوحة. وغني عن البيان ان موقفاً كهذا يعني ان أوان الافراج عن الرئاسة لم يحن بعد ولا يزال بعيداً.

واعتبرت المصادر ان الامين العام لـ «حزب الله» الذي عرض الصلح على «داعش»، بدا كمَن يعرض في الوقت نفسه «الاستسلام» على الحريري.

 


الراي