يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تميل إلى استثمار حالة التفاهم القائمة نسبياً في الوقت الراهن مع روسيا، في إحداث تقدم على مسار الأزمة السورية، خاصة ما يتعلق باتفاق "وقف الأعمال العدائية"، لكن على ما يبدو فإن هذه الرؤية لا تروق لكثيرين داخل أروقة وكالة المخابرات المركزية الأميركية ووزارة الخارجية وأيضاً البنتاغون، ويرونها معيبة.

دينس روس، المستشار السابق للرئيس أوباما لشؤون الشرق الأوسط، وأندرو تابلر، زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى يستعرضان في مقالهما بصحيفة نيويورك تايمز، خطة أوباما الجديدة في سوريا ودوافعه لتبنيها واحتمالات الفشل والنجاح.

فقد جاء في المقال: "ترغب إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، أن تخفف من وطأة العنف الذي تعاني منه سوريا، وفي الوقت ذاته تريد أن تسحق الجماعات الجهادية هناك. ومن أجل ذلك يسعى البيت الأبيض نحو الدفع بخطة تؤدي إلى تعاون الولايات المتحدة مع الجيش الروسي في سوريا بهدف تبادل المعلومات الاستخباراتية، وكذلك التنسيق المتعلق بالغارات الجوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وأيضاً جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا (والذي أعلن مؤخراً انفصاله عن تنظيم القاعدة وتكوينه جبهة جديدة تحمل اسم "جبهة فتح الشام). وفي المقابل، قد يجبر الجانب الروسي نظام الرئيس السوري بشار الأسد كي يتوقف عن استخدام البراميل المتفجرة والغارات الجوية في المناطق التي لا تحتضن أياً من جماعات المتطرفين. ويُعدّ التخلص من الجماعات الجهادية في سوريا هدفاً مهماً، فبعد سنوات من الموت والخراب، ربما ترحب الأطراف المتناحرة وكذلك رعاتهم بأي اتفاقية بينهم. بيد أن خطة إدارة الرئيس أوباما، التي لا تروق لعديدين داخل أروقة وكالة المخابرات المركزية الأميركية ووزارة الخارجية وأيضاً البنتاغون، تبدو معيبة".

وتابع:"ولا يقتصر السبب وراء ذلك على كونها سترسخ الحصار الذي تفرضه حكومة الأسد على مدينة حلب التي تسيطر عليها المعارضة، بل إنها قد تدفع الجماعات الجهادية وكذلك اللاجئون للهروب نحو تركيا المجاورة لسوريا. وبدلاً من ذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تستغل تلك الفرصة كي تتخذ موقفاً أكثر صرامة ضد الأسد وحلفائه. ويأمل وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أن تؤدي تلك الحالة من التفاهم بين الجانبين الأميركي والروسي في إحداث تقدم فيما يتعلق بالقضايا الأخرى، بما في ذلك استعادة اتفاق "وقف الأعمال العدائية"، وهي هدنة جزئية بدأت في فبراير/شباط ولكنها خُرقت في أيار. كما يأمل كيري أن يؤدي ذلك إلى العودة لطاولة المفاوضات المتعلقة بالتحول السياسي في سوريا. وتعد تلك الأهداف منطقية، إذ إن مجلس الأمن جسدها في القرار الذي تبناه في كانون الأول الماضي. إلا أن أحد النصوص المسربة التي تتناول الاتفاقية المقترحة مع الجانب الروسي، أظهرت أنها معيبة بثغرات خطيرة. فالولايات المتحدة وروسيا ترسمان الخرائط التي توضح أماكن تمركز جبهة النصرة وأماكن تأثيرها، وأيضاً بعض الأماكن التي تسيطر عليها جماعات معارضة لكنها قد تشهد بعض التواجد المحتمل للنصرة. وسوف يؤدي ذلك الأمر إلى السماح للأسد وداعميه من الروس والإيرانيين، بأن يهاجموا جماعات المعارضة غير المرتبطة بالنصرة بتلك المناطق، فضلاً عن تعزيز سلطة النظام السوري".

وأضاف: "ما يزيد من تلك المخاوف أن نظام الأسد يفتقد للقوات البشرية التي تُمكّنه من السيطرة على المناطق الريفية السُنّية، مما يعني أنه سوف يعتمد على حزب الله والميليشيات الشيعية الأخرى للقيام بتلك المهمة. ومن المؤكد أن تلك الجماعات الطائفية الدموية سوف تجبر النصرة والجماعات المسلحة السُنّية الأخرى نحو الفرار في اتجاه تركيا، مما سيجعلهم، وكذلك التهديد المرتبط بالعنف الذي ترتكبه الميليشيات المسلحة، أقرب إلى الغرب. ولا يختلف الأمر بالنسبة للمدنيين السُنّة، إذ إن ذلك الأمر سوف يدفع كثيرين منهم لخوض الطريق المؤدية إلى أوروبا".

دوافع أوباما

ولعل ما يدفع إدارة أوباما أن تقود تلك المبادرة مع روسيا هو إما الأمل أو اليأس، ولكن من المؤكد أنها ليست مدفوعة بالخبرة. فخلال الهدنة الجزئية، استغلت روسيا المميزات التي حملتها ثغرات مشابهة مما سمح لها باستمرار القتال، وكذلك نظام الأسد، ضد جماعات المعارضة المسلحة غير المرتبطة بالنصرة وأيضاً المعارضة غير المسلحة غير المرتبطة بتنظيم "الدولة الإسلامية". وقد أتاحت تلك الخروقات للأسد وحلفائه بأن يكسبوا مزيداً من الأراضي، وأن يحاصروا حلب. ويبدو أن إدارة أوباما تعتقد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبحث عن طريقةٍ تحدُّ من التورط الروسي في الحرب الأهلية بسوريا، بحسب المقال الذي أضاف: "لكننا نشك في ذلك الأمر؛ لأن بوتين تعتريه رغبة أكبر في إظهار أن روسيا وأصدقاءها يربحون المواجهة في سوريا وأن الولايات المتحدة تخسر، ولن يغير بوتين نظرته حتى يقتنع بأن الأمر صار مكلفاً للغاية. وبدلاً من ذلك، من المرجح ألا تختلف معاملة بوتين والأسد مع الاتفاقية القادمة عن معاملتهما مع الاتفاقية السابقة؛ لأنه يعلم أن الولايات المتحدة لن تفعل شيئاً كي تعاقب روسيا لدعمها لحكومة الأسد. بيد أن ثمة بديلاً لذلك، ويكمن في معاقبة النظام السوري لخرق الهدنة باستخدام الطائرات بدون طيار وصواريخ الكروز لقصف القواعد الجوية والمطارات العسكرية للجيش السوري، وكذلك مواقع المدفعية التي ليس ثمة وجود روسي بها".

ويقول المعارضون لمثل تلك الهجمات المحدودة، إنها قد تؤدي إلى تصعيد من الجانب الروسي، وأنها ستسعى لجر أقدام الولايات المتحدة لأتون الصراع في سوريا. لكن تلك الهجمات قد تحدث في حالة واحدة فقط، وهي إن خرقت الحكومة السورية الهدنة الوشيكة التي تقول عنها روسيا إنها مُلزمة. كما يمكن إخبار روسيا بأن ذلك الرد من جانب الولايات المتحدة قد يحدّ من أي محاولة لخرق الهدنة والاتفاق العسكري المقترح مع موسكو. وعلى أي حال، سيعطي ذلك إشارة لبوتين بأن حليفه السوري سوف يدفع الثمن إن لم يلتزم جانبه بالاتفاق. وإن أرادت روسيا أن تضع حداً لتورطها في سوريا، فإن التهديد بشن هجمات محدودة قد يقنعها كي تجبر الأسد على التأدب.

وفي المقابل، إن صدق حدس المشككين الذين يقولون إن بوتين سيكون جاداً فيما يتعلق بالحل السياسي فقط إن رأى تزايدَ كلفةِ دعم النظام السوري، فإن مثل تلك التهديدات بتنفيذ هجمات ربما يكون السبيل الوحيد لبدء عملية سياسية تنهي حالة الحرب.

وطالما صرح أوباما وكيري بأنه ليس ثمة حل عسكري لمواجهة الصراع السوري. ولسوء الحظ يبدو أن روسيا وإيران تعتقدان عكس ذلك، أو على الأقل تعتقدان بأنه ليس ثمة نتيجة سياسية مقبولة يمكن أن تتحقق بدون دحر المعارضة وتقوية النظام السوري. لذا، فقد آن الأوان لأن تتحدث الولايات المتحدة باللغة التي يفهمها الأسد وبوتين.

(هافنغتون بوست)