أعلنت مديرية الأمن العام في بيان قبل يومين انها اعتمدت جواز السفر البيومتري بدءاً من أول اب الجاري، مشيرة الى ان جوازات السفر الحالية تبقى صالحة حتى نهاية مدتها.


واذا كان الاعلان بذاته واضحاً، الا ان حيثياته وتفاصيله وخلفياته بقيت مبهمة في عدد من النواحي ومشوبة بالكثير من الالتباسات وعلامات الاستفهام والاسئلة المتعلقة بضرورة تبيان الفوارق المعلنة والمخفية بين جواز السفر اللبناني، الورقي العادي ذي اللون الكحلي المستخدم حاليا، وبين الجواز البيومتري الموعود؟ وتبيان ما اذا كانت الفوارق جوهرية فعلياً؟ وتستحق التخلي عن كل المزايا الموجودة في جواز السفر الحالي الذي نستخدمه؟ أم أنها مجرد قفزة شكلية تحديثية على حساب المواطن واعصابه ووقته؟ أم أن هذا الإجراء ضروري لتلبية متطلبات المنظمات الدولية المعنية القاضية بتوحيد وثائق السفر المتعددة في معظم دول العالم، إن لم يكن كلها لتسهيل السيطرة على الوثائق الارشيفية والرسمية وكل المعلومات الخاصة المتعلقة بالافراد في كل أقطار الارض؟

المعلومات الرسمية التي بشأن جواز السفر البيومتري تشير الى الى أنه جواز سفر عادي لا يختلف عن الجواز المعتمد حالياً سوى انه مزود برقاقة ممغنطة على غرار وبحجم الـ"سيم كارد" تحوي كماً كبيراً جداً من المعلومات المتعلقة بحامل الجواز بمجرد امرارها على جهاز مخصص لقراءتها lecteur optique القارئ البصري في المطارات وعلى كل المعابر.

لكن اجابات المعنيين المحترفين في الاجهزة الامنية الرسمية المعنية عن الاسئلة المتعلقة بمزايا جواز السفر اللبناني العادي الموجود مع المواطنين اليوم وبشأن مدى تطابقه مع المواصفات العالمية المعتمدة في هذا الاطار تؤكد على ان الجواز الحالي يحمل عددا كبيرا من المزايا الخفية عن الرؤية، والتي تحول من دون تزويره، بمعنى انه اذا تمكن المزورون من تزوير او نسخ واحدة من المزايا أو أكثر فإنه لن يكون بمقدورهم أبدا

الامساك بكل تفاصيل ومميزات جواز السفر اللبناني المعتمد حاليا، ولا سيما لناحية التفاصيل المخفية فيه وأبرزها المعايير السرية والصور غير المرئية المخصصة لكل صفحة من صفحاته، ناهيك عن الـ "باركود" المزود به والذي ما ان يعرض ايضا على "القارئ البصري" lecteur optique في المطار اوعند اي معبر حدودي، حتى يتم الربط مباشرة بالمعلومات الاساسية المدرجة في الجواز المعروض لدى المديرية العامة للامن العام، وبالتالي تتم المقارنة التلقائية لتبيان ما اذا كان الجواز تعرض لاي تزوير أو تحريف.

مصدر معني مسؤول، أشار الى ان جواز السفر اللبناني المعتمد حاليا هو فعليا جواز يضاهي الجواز البيومتري لانه متطابق مع المعايير الدولية المعتمدة في أكثر دول العالم تشددا في هذا السياق، وهو جواز موثوق به على المستوى الدولي من كل النواحي التقنية. والاهم من ذلك انه حتى تاريخه لم تسجل أي عملية تزوير لوثيقة جواز السفر لأن أي محاولة ستكتشف بسرعة فائقة نتيجة الاعتبارات المذكورة وغيرها، والمهم أننا، كلبنانيين، حتى لو كان جواز سفرنا مطابقاً تماماً لمواصفات جواز السفر الاميركي، فإننا لن نستطيع الدخول به الى الدول التي لا تمنح تأشيرات للبنانيين بسهولة، وذلك ليس لان الجواز هو المشكلة بل الاعتبارات الاخرى. فاللبنانيون الذين يعانون صعوبة الحصول على تأشيرات من سفارات الدول المتقدمة يضيف المصدر، ليس بسبب جواز السفر كوثيقة تضاهي في مزاياها جوازات السفر التي تعتمدها أهم وأرقى دول العالم، بل لاسباب اجتماعية - اقتصادية - تبادلية ودبلوماسية تتعلق بالعلاقات بين الدول والاتفاقات المعقودة في اطار التعامل بين الدول والحكومات.

ولكن، السؤال الذي يطرح نفسه تلقائياً هو، اذا كان جواز السفر الحالي بهذه المواصفات العالية وموثوقاً به الى هذه الدرجة عالميا، فلماذا سيستبدل بـ"الجواز البيومتري"؟

يجيب المصدر "ان توصيات منظمة الطيران المدني الدولي "ايكاو" تقضي بضرورة ان يكون جواز السفر مقروءاً آلياً في كل دول العالم، في مهلة أقصاها 24/11/2015 لمنع كل الجوازات المكتوبة يدويا في العالم، ومع ان جواز السفر اللبناني الحالي المعروف بـ (نموذج 2003) مكتوب آليا ويتماشى مع المعايير التي تتطلبها التوصيات الجديدة لمنظمة الطيران، ما يجعلنا بمنأى من القرار الجديد، الا أن السلطات اللبنانية إرتأت ان تواكب التطور في كل ما يتعلق بهذا الجواز الجديد الذي يمكن من خلاله مماشاة العصر الاكثر تطورا، نظرا لما يحويه من مزايا مختلفة، منها انه مزود رقاقة ممغنطة بحجم الـ"سيم كارد" عالمية لكل جوازات السفر في دول العالم التي تعتمد هذه الجوازات، تحوي "معلومات معولمة" بكل الوقوعات الخاصة بصاحب الجواز ليس أقلها بصمة العين وصورة مزايا المنطقة المحيطة بالانف، والمنطقة المحيطة بالفم، والمباسم والشفاه وخطوط الجبين، واستدارات خاصة بأسفل الذقن وكل المباسم والملامح البيولوجية المتعلقة بالوجه، اضافة الى عدد كبير يكاد لا يحصى من المزايا الخاصة بصاحب الجواز وهذه المزايا الى درجة ان ليس ثمة اي دولة ستعتمدها بالكامل نظرا لان برامجها مكلفة جدا وباهظة الاثمان الى درجة تعجز معها أكثر الدول ثراءً عن شرائها بمجملها ككل، لذلك فان كل دولة ستعتمد بعضاً من هذه البرامج تبعا لقدراتها المالية، وان بقي البرنامج الاكثر رواجا في هذا الصدد والذي يلقى رواجا في معظم الدول هو برنامج بصمة العين والتي ما ان يوضع الجواز على القارئ البصري حتى تظهر بصمة العين الحقيقية لصاحبه وتقارن مع حامله، ليتبين فورا ما اذا كان هو نفسه من يحمل هذا الجواز ام غيره.

على هذا المستوى اعتمدت السلطات اللبنانية الجواز البيومتري لمماشاة التطور ومواكبة الحداثة على هذه المستويات يقول المصدر. وفي هذا السياق فإن المواطنين الموجودين في الخارج سيتقدمون كالعادة بطلبات جوازاتهم في السفارات المعنية، لكن ما سيتغير اليوم هو أن السفارة لم يعد في إمكانها ان تصدر جواز السفر من مكاتبها في الخارج بل سترسل الطلبات الى مديرية الامن العام لانجاز الجوازات الجديدة وارسالها الى السفارات التي طلبتها من جديد.

وككل إجراء جديد تتخذه السلطات ثمة انتقادات ومخاوف لدى شرائح كبيرة من المواطنين من ان يؤدي الاجراء الجديد الى زيادة واضافات في الاعباء الادارية والبيروقراطية تضاف الى تعقيدات اضافية لا لزوم لها، من قبيل ضرورة وجود صورة عن بطاقة الهوية كمستند إلزامي إضافة إلى بيان القيد الإفرادي للحصول على جواز السفر البيومتري، فيما يدرك الجميع صعوبة الحصول على بطاقة الهوية اللبنانية جراء التعقيدات المحيطة بطلبها والخوف من ضياع الطلبات المتعلقة بها كما جرت العادة.

والمخاوف متقاطعة مع حالات الفوضى والاستنسابية غير المفهومة من فرض وضعيات معينة خاصة بالصور الشمسية لطالبي جوازات السفر منذ حوالى 3 سنوات واكثر، ولا سيما في وضعية تبيان الوجه حيث عاين مواطنون بأعينهم ان صورا شمسية رفضتها مراكز للامن العام وقبلتها نفسها مراكز اخرى، وهو امر شهد بلبلة كبيرة في مراحل سابقة، وهذا ما عزز المخاوف من ان يشكل اعتماد جواز السفر البيومتري محطة جديدة لهدر اوقات المواطنين واعصابهم، وزيادة اضافية في البيروقراطيات الوظيفية.

(عباس صالح - الديار)