فورَ التعرّف إلى حبيب جديد، يتوهّم أشخاصٌ أنّهم وجَدوا حبَّ حياتهم، فتَجرفهم رومانسيتهم المفرطة باتّجاه التخلّي عن علاقاتهم الاجتماعية، وعدم الاكتراث لمحيطهم، للّحاق بهذا الشريك المحتمَل وتكريس كلِّ الوقت للحبّ.عندما يكون الإنسان غيرَ مرتبط، يسعى إلى نسجِ أكبر عدد ممكن من شبكات الأصدقاء، فهو يعوّض بحياته الاجتماعية الصاخبة الفراغَ العاطفي الذي ينتابه. ولكنّه قد يتعطّش لملاقاة حبيب، إلى حدّ أنّه يَرمي بنفسه بين أحضان الشخص المحتمل فور لقائه، نافضاً عنه غبارَ حياة العزوبية، بمن فيها مِن أصدقاء ومقرّبين.

نُفور

قد يتفهّم الأصدقاء أنّ انشغالات الحياة تُبعِد الناسَ بعضهم عن الآخر، ولكنّ طبيعتهم البشرية لن تسمحَ لهم بفهم موقف شخص كان يصرّ على الخروج معهم، أقلّه مرّةً في الأسبوع، وفجأةً اختفى لأنّه وجد البديل.

فإنْ لم يوجّهوا له الملامة مباشرةً، مِن البديهي أن يتطرّقوا "في ظهره" إلى خيانته للصداقة. وستشعر مجموعة الأصدقاء بأنّ هذا الشخص استعملها ليُسلّي نفسَه وبدَّلها بما يلائمه أكثر. علماً أنّ هذا الراحل نفسَه قد يعود إلى حضن الأصدقاء طالباً مواساته في حال لم يصل هيامه إلى خواتيمه السعيدة، وانتهى فجأةً كما بدأ فجأة.

تكثُر هذه الحالة في المجتمع، فوحدهم الأشخاص الواعون والممسِكون بزمام حياتهم قادرون على التوفيق بين الحياة الاجتماعية والعاطفية، لبِناء ثنائي اجتماعي يعيش وسط المجتمع ولا ينمو منغلقاً على نفسِه، بما يَؤسّس لحالةٍ من الملل والضجر وعدم التفتّح على الآخرين مع مرور الوقت. وفي هذا السياق تؤكّد دراسة أجرَتها جامعة أوكسفورد البريطانية أنّ دخول إنسان في علاقة عاطفية قد يُفقده حوالي شخصين من أصدقائه المقرّبين.

الغيرة

أسبابٌ عديدة تقف وراء انفصال الأشخاص عن محيطهم فورَ لقائهم شريكاً يثير إعجابَهم، ومنها: رغبتُهم بالاختلاء به، أو الغيرة التي تنتابهما ومحاولة كلّ منهما كبتَ نفسِه بهدف إرساء حدود للآخر وردعِه عن متابعة حياته الاجتماعية المعتادة: "أنتِ ستخرجين مع أصدقائكِ الليلة وأنا أيضاً".

تحاشياً لهذا الوضع الذي يتحوّل بينهما إلى تحدٍّ غير سليم وواعٍ يَبني الإثنان توازناً أساسُه عالمهما الخاص المنفصل عن محيطه بسبب الغيرة المفرطة وحبّ التملّك وعدم الثقة بالنفس وبالآخر، ما يحوِّل العلاقة إلى شِبه سجن.

تؤكّد رنا (29 عاماً) أنّ أصدقاءَها من الجنسين، وكذلك أصدقاء حبيبِها، "فإنْ واظبتُ على الخروج معهم مرّةً في الأسبوع وحدي كما جرت العادة، سيَخرج هو أيضاً مع أصدقائه وحده، وأنا أغار. فلا أخرج مع أصدقائي كي لا يبادلني بالمِثل. وهو بدوره امتنَع عن الخروج مع أصدقائه أيضاً وبِتنا نلتقي بهم نادراً وفي المناسبات".

نماذج مختلفة

في المقابل يسجّل المجتمع نماذجَ مختلفة تشكّل قدوةً في التواصل الاجتماعي والحب والتفهّم على حد سواء. فالثنائي الذي يَجمع نتالي (28 عاماً) بشادي (32 عاماً) أكثر انفتاحاً. فهو عرفَ منذ لقاءاتهما الأولى أنّها اجتماعية وتحبّ نسجَ العلاقات والتحدّثَ إلى الناس، وعلى رغم الغيرة الموسمية التي تنتابه لم يَمنعها من خوض حياتها الاجتماعية ولم يحاول امتلاكَها.

وهي بدورها جذبَته إلى عالمها وحياتها، فعرَّفته بأصدقائها وباتَ جزءاً لا يتجزّأ منهم. فهما غالباً ما يخرجان مع مجموعات أصدقائهما، حيث هما قادران على الاختلاط والمضيّ قدُماً في بناء حياة اجتماعية.

في وسط المجتمع

لا يخسَر المرتبط بعلاقة عاطفية أصدقاءَه صدفةً، بل بعد تسجيله العديدَ من الهفوات والبعد الملحوظ. مراعاةُ بعض المواقف وحرصُه على محيطه يمرّ بالنقاط التالية:

تعريف الشريك بالأصدقاء

فورَ إعجاب الشخص بآخر قد يخرج معه لأشهُر ولا يعرّفه على أصدقائه ورفاقه الذين ارتبَط بهم منذ زمن وأحياناً منذ الطفولة. ربّما لأنّه فعلاً سُحِر بالوافد الجديد إلى هذا الحد، فبات وحده مالكَ عالمه فجأةً! إلّا أنّ تعريف الشريك بالأصدقاء يَسمح له بتقبّلِهم شيئاً فشيئاً والانخراط بأجوائهم، كما يحافظ على العلاقة معهم.

خلط الوقت والتفضيل القاتل

لا تخطّطي لمشروع مع أصدقائكِ مثلاً، وتتّصلي بهم قبل الموعد بدقائق لتُعلني عدمَ حضورك، لأنّ حبيبك قرّر الخروج معكِ فجأةً. ذلك يؤذيهم ويدمّر علاقتكِ بهم، بالإضاقة إلى صورتكِ أمامهم واحترامكِ لنفسكِ والتزاماتكِ.

"إجرو عإجرا"

لا يجب تأدية دور الثنائي الذي لا يفترق أبداً بوجود الأصدقاء ويبقى ملتصقاً ببعضه طوال أمسية اللقاء، فلا يختلط ولا يساير ولا ينفصل. هذا غير ممتِع للمحيطين والمجتمع، بينما الاختلاط اجتماعياً يفيدكما. علماً أنّه في حال ارتجاج الثقة بينكما إلى حدّ عدم إمكان أحدِكما السماح للآخر برؤية مَن أمضى معهم أياماً وسنوات وحده وقبل لقائه به، فما نفعُ علاقتكما أصلاً!

عدم الرضوخ

قد يَمنع الشريكُ شريكه من رؤية أصدقائه ويضَعه أمام مأزقِ الاختيار بينه وبينهم بسبب غيرةٍ ما أو لعدم تقبّلِهم. ولكن لماذا يرضخ هذا الطرف ويمتنع عن رؤية ناسِه قابلاً نزوات حبيبه، إذا ما كان ضميره مرتاحاً ولا ترتبطه بهؤلاء الأصدقاء سوى صداقة ممتِعة.

( الجمهورية)