"كان موعده أن يلتحق بالجيش في الثاني من الشهر المقبل فالتحق عند ربّه، ومع هذا قلت إني لا أقبل ان ينتهي عزاءه قبل ان يخرج قاتله من السجن ويعود الى حضن والدته"، كلماتُ والد صابرٍ على فراق ابنه عمر العمري بعدما دهسته سيارة يقودها عبد اللطيف في برقايل.
عند الساعة الخامسة من يوم الثلثاء الماضي وقع الحادث، قبلها بدقائق كان عمر (20 عاماً) قد ترك قطعة بقلاوة لوالده في محله للخرداوات الذي يملكه، ركب دراجته ورحل الى العالم الآخر.
ويلفت والده خالدالعمري "كأنه كان يشعر أن نهايته قريبة، وانه سيفارقنا لا محالة، كل تصرفاته قبل وفاته تدل على ذلك، وضع مالاً لدى اصدقائه طالباً منهم ان يوزعوها على الفقراء بعد موته. يومها قال لصديقه سأذهب لاطمئن على والدتي ولن اعود لأكمل الجلسة معك". واضاف " في ذلك اليوم ودّعني وما هي الا خمس دقائق حتى وصلني خبر صدمه بسيارة، انتقلت مسرعاً الى مكان الحادث الذي لا يبعد كثيراً، وجدته ممداً ارضاً، علمت انه لن يعاود الوقوف مجددا، قلت من فعل ذلك، فاذا بوالد السائق خلفي، يضرب على كتفي ويقول ابني، واي شيء تريده سننفذه، كان جوابي لا اريد شيئاً فما حصل قضاء الله وقدر".

تسامح الى أبعد الحدود
رفض العمري ان يدفن ابنه الا بحضور عائلة عبد اللطيف، وقال: " عمر فقيد الضيعة وليس عائلته فقط، كما لم اقبل أخذ دِية من عائلة القاتل لكونهم فقراء، وأسقطتحقي لدى الدولة". بيده سلم العمري، عبد اللطيف (الثلاثيني) الذي يعمل على شاحنة في الامس الى والدته، وقال خالد: " قصدت النيابة العامة في طرابلس حيث نقل عبد اللطيف، بعدما علمت أن اوراق اخلاء سبيله قد انجزت، واذ بشاب يسارع الى فتح باب السيارة، ويحاول تقبيل يدي، قائلاً اعتبرني مكان عمر، صعد في السيارة واوصلته الى والدته، قبلتها في رأسها وطلبت منها ان تدعي الى عمر بالرحمة". واضاف " اريد أن ارضي الله لا عباده، لذلك الله يسامح القاتل كي يرتاح ولدي في قبره".

رحيل "الحلم"
كان عمر شعلة متوجهة، لا تفارقه الضحكة، متفائلاً الى أبعد الحدود، محبّاً الجميع، طموحاً، خطط لمستقبل زاهر لكن الزمن لم يمنحه الوقت الكافي لتحقيق أحلامه. ويخبر الوالد "لدي قطعة أرض مساحتها الف متر، اردت بيعها للاستفادة من ثمنها في عملي، حين سمع عمر نقاشي مع شخص يريد شراءها طلب مني عدم القيام بذلك لكونه يريد ان يبني منزلاً عليها، لكن للاسف هدّم حلمه، وبعد الذي حصل اتخذت قرار وهبها للفقراء عن روحه. كل همي أن يكون اولادي (3 فتيات واربعة شبان قبل خسارة عمر) مرتاحين في حياتهم ومماتهم".
وختم "أشكر الله الذي اعطاني جرعة الصبر هذه، وكل ما قمت به تطبيقاً لقوله تعالى (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء).